تجنّبت «المحكمة العليا» الإسرائيلية تحمّل المسؤولية عن إرباك المشهد السياسي وتوريط الجمهور في انتخابات إضافية، بعدما تجاوزت كل المحاذير الكامنة في تولي متهم رسمياً بالفساد أهم منصب في الكيان، وإشكالية أن يتمكّن من الموازنة بين مصالحه كمتهم، وبين مصالح الدولة، إذ قرّرت أنه لا مانع من تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة، والأمر نفسه ينسحب على اتفاقه مع بيني غانتس! فكأي مؤسّسة مهنية أخرى، لا تتخذ المحكمة قراراتها انطلاقاً من معايير مهنية مطلقة، بل تأخذ في الحسبان مصالح إسرائيل التي لا تتحدّد بعيداً عن قيود الواقع وخياراته. جراء هذا، أعطت الضوء الأخضر لتشكيل الحكومة، فردّت ثمانية التماسات ضد الاتفاق الذي توصّل إليه «الليكود» و«أزرق أبيض»، محدّدة بالإجماع أنه «مع أن الاتفاق الائتلافي يثير إشكالات قانونية كبيرة، فإنه في هذه المرحلة لا يوجد مبرّر للتدخّل في أي من بنوده». وبرغم تهم الفساد الموجهة رسمياً إلى نتنياهو، رأت «العليا» أنه لا توجد علة قانونية لحرمانه تولي رئاسة الحكومة، غير أنها أكدت أن «الاستنتاجات القانونية التي توصّلت إليها لا تقلل خطورة التهم الموجهة إلى نتنياهو في ما يتعلّق بطهارة اليد، والصعوبات الناتجة عن ترؤّس متهم بقضايا جنائية للحكومة».في غضون ذلك، اتفق نتنياهو وغانتس على أدائهما اليمين الدستورية الأربعاء المقبل، الموافق الثالث عشر من الشهر الجاري، لكن القضاة لم يستبعدوا التدخّل مستقبلاً في قوانين الائتلاف، وتشكيل لجنة تعيين القضاة، على أن الوقت ليس مناسباً للتعامل مع هذه القضايا في هذه المرحلة. وأوضحت المحكمة الأساس الذي تستند إليه في موقفها بالقول: «هناك قاعدة راسخة بأن المحكمة لا تتدخل في الإجراءات التشريعية قبل أن تكتمل». كما وصفت الاتفاق بين الحزبين بـ«الاستثنائي»، مقرّة أن بنوده «تتضمّن العديد من الصعوبات والإشكالات القانونية»، لكن القضاة ختموا قرارهم بالإجماع على رفض الالتماسات سواء تلك التي تتعلّق بتكليف نتنياهو أو بالاتفاق الائتلافي، علماً أن المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، قد أبلغ «العليا» أنه لا مجال لإلغاء الاتفاق الائتلافي جراء التعديلات التي أُجريت على بعض بنوده.
يذكر أن جهات سياسية وحقوقية مختلفة قدّمت الالتماسات أمام المحكمة، من بينها تحالف «يوجد مستقبل - تيلم»، و«الحركة من أجل نزاهة الحكم»، و«الحركة من أجل جودة الحكم»، وعدد من الشخصيات العامة. وفي المقابل، صدّقت الهيئة العامة للكنيست بالقراءتين الثانية والثالثة على جميع القوانين المتعلّقة بالاتفاق بين «الليكود» و«أزرق أبيض»، إذ اتفق نتنياهو وغانتس على تعديل قانون التناوب على رئاسة الحكومة، على أن يسمح بتمديد ولاية الحكومة إلى أربع سنوات بدلاً من ثلاث. ولم يشارك أعضاء الكنيست من حزب «إسرائيل بيتنا»، برئاسة أفيغدور ليبرمان، في التصويت. وكجزء من الضمانات التي يبدو أن غانتس حصل عليها، تم تعديل القانون لتكون صلاحية رئيس الحكومة، أثناء ولايته، في حل الكنيست، مشروطةً بموافقة مسبقة من رئيس الحكومة البديل. وفي حال سعى رئيس الحكومة أثناء ولايته إلى تقديم الانتخابات، يعني ذلك أن الحكومة كلها مستقيلة، مع التوجّه إلى انتخابات مبكرة.
إلى ذلك، ألمح وزير الأمن ورئيس كتلة «يمينا»، التي تضم أحزاب اليمين المتطرف، نفتالي بينِت، إلى استعداده للانضمام إلى الحكومة في حال عُيّن وزيراً للصحّة، في وقت شرع فيه «الليكود» في جمع تواقيع أعضاء الكنيست عن كتلة اليمين على طلب سيقدّم إلى ريفلين بنقل التكليف إلى نتنياهو، وذلك للإعلان الرسمي عن الحكومة الجديدة تمهيداً لأداء اليمين الدستورية.