كان يكفي أن يخرج الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أول من أمس، بخطاب يلوّح فيه بخفض التصعيد، حتى يتنفّس المسؤولون الأميركيون وقادة الكونغرس الصُعداء، مُدركين في الوقت نفسه أن عدم تسبّب الصواريخ الإيرانية التي استهدفت قاعدتين عسكريتين أميركيتين في العراق بسقوط قتلى ليس كافياً وحده لتخفيف التوتّر، بوجود رئيس لا يمكن توقّع تصرفاته وتصريحاته. استدراك ترامب، المتأخّر نسبياً، لما يمكن أن يؤدي إليه التصعيد والتصعيد المقابل، لم يكن كفيلاً بتغيير حسابات أخصامه من الديموقراطيين، أو بتبديد قلق 55 في المئة من الأميركيين، رأوا في استطلاع أجرته «يو أس إيه توداي» ومركز «إيبسوس» أن الولايات المتحدة باتت أقلّ أمناً، بسبب قراره اغتيال قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني. وعلى الرغم من وجود توجّه جمهوري وديموقراطي على السواء للتخفيف من حدّة السجال بين ترامب والمسؤولين الإيرانيين، ومن الارتياح لعدم مقتل أيّ أميركي في الضربة الصاروخية الإيرانية، إلا أن النقطة التي تمحور حولها الردّ الديموقراطي، أمس، هي الحجج غير المُقنعة التي ساقها الرئيس وكبار المسؤولين في الإدارة في شأن اغتيال سليماني ونائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس. وفي هذا السياق، قالت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، إن «إشعار قانون سلطات الحرب غير الوافي من قِبَل الرئيس، وإفادة الإدارة اليوم» التي قدّمها وزير الدفاع مارك إسبر وغيره من المسؤولين «لم تتطرّق إلى مخاوفنا». بيلوسي ذهبت أبعد من ذلك، مشيرة في بيان إلى أن «الرئيس أظهر أنه لا يملك استراتيجية متماسكة للمحافظة على سلامة الشعب الأميركي والتوصّل إلى خفض للتصعيد مع إيران وضمان الاستقرار في المنطقة». من جهته، لفت زعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، إلى أنه «كان هناك العديد من الأسئلة المهمة التي لم يجيبوا عنها ولم نرَ خطة مرضية للمستقبل»، معرباً عن استيائه من «خروج» إسبر ومرافقيه من القاعة عندما ازدادت حدّة الأسئلة الموجّهة إليهم. هكذا، يسعى الديموقراطيون إلى إعادة الاعتبار لدورهم على الساحتين السياسية والتشريعية، ولو رمزياً، بعدما كان ترامب قد همّش دور الكونغرس عموماً، عند اتخاذه قراراً باغتيال سليماني. وفي هذا السبيل، طرح المعسكر الديموقراطي مشروع قانون يحدّ من قدرة الرئيس على التحرّك عسكرياً ضدّ إيران.
لم يقتنع الديموقراطيون بالإفادات التي قدّمها كبار المسؤولين في شأن اغتيال سليماني


على الضفة الأخرى، وصف عدد من الجمهوريين إفادات مسؤولي الإدارة بأنها كانت مفيدة، وذكروا أنها كشفت عن معلومات استخبارية تشير إلى هجمات إيرانية كانت متوقعة في غضون أيام ضدّ الأميركيين. لكن ذلك لم يمنع السيناتور الجمهوري، مايك لي، من الإعراب عن استيائه من الكيفية التي فرض المسؤولون من خلالها قيوداً على الأسئلة في شأن ما إذا كان التدخل العسكري في وجه إيران أمراً مناسباً، معتبراً أنها كانت «مهينة». ووصف لي سلوك المسؤولين الذين قدّموا الإفادات بأنه كان «غير أميركي»، معلناً أنه سيدعم مشروعاً يقوده الديموقراطيون في شأن سلطات الحرب. بدوره، اعتبر السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، المقرّب من ترامب، أنه «لا ضرورة للردّ فقط من أجل الردّ في هذه المرحلة». لكنّه ندّد في الوقت نفسه بالديموقراطيين الذين أعربوا عن قلقهم حيال عملية قتل سليماني، قائلاً: «أرى فكرة أن فريق الأمن القومي لم يكن لديه أساس جيّد لقتل هذا الرجل سخيفة».
وجاءت تصريحات غراهام لتكرّر ما صرّح به العديد من المسؤولين في الإدارة، وعلى رأسهم وزير الدفاع، مارك إسبر، الذي اعتبر أنه، باغتيال سليماني، فإن الولايات المتحدة «استعادت مستوى من الردع» بمواجهة إيران، مستدركاً، في حديث إلى الصحافيين، بأن «المستقبل سيخبرنا». وفي هذا الإطار، لم يستبعد أن تشنّ «ميليشيات» عراقية، «سواء كانت تقودها إيران مباشرة أو لا»، مزيداً من الهجمات ضدّ القوات الأميركية في العراق، مشدداً على أنه سيتعيّن على القوات الأميركية «الردّ بحزم لضمان الحفاظ على هذا المستوى من الردع». في المقابل، بدا رئيس هيئة الأركان الأميركية، الجنرال مارك ميلي، أكثر تحفّظاً في شأن الأثر الرادع لاغتيال سليماني. إذ قال: «أعتقد أن من السابق لأوانه قول ذلك»، مشيراً إلى أن الصواريخ الباليستية التي أطلقتها إيران على قواعد يتمركز فيها جنود أميركيون في العراق كان «هدفها التسبّب بأضرار هيكلية، وتدمير مركبات ومعدّات وطائرات، والقتل»، عازياً عدم تسبّبها بإصابات بشرية إلى «الأساليب الدفاعية التي استخدمتها قواتنا، أكثر من ارتباطه بِنِيّة» إيران. لكن مسؤولاً عسكرياً أميركياً رفض هذه الفكرة، مؤكداً أن إيران تفادت قتل جنود أميركيين عمداً، عبر استهداف الأجزاء غير المأهولة من القاعدتين. من جهته، ادعى نائب الرئيس، مايك بنس، أن الولايات المتحدة تلقّت معلومات استخبارية «مشجّعة» تفيد بأن إيران «أمرت الميليشيات الموالية لها بعدم استهداف أهداف أو مدنيين أميركيين، ونأمل أن يستمر صدى هذه الرسالة بالتردّد».