على مدى السنوات الثلاث من عمر الإدارة الأميركية الحالية، حلّت التجارة في صدارة أولوياتها. شرع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في إعادة التفاوض على الصفقات المتعدّدة الأطراف والطويلة الأمد، وتحدّي نظامٍ يقول إنه لم يكن عادلاً بالنسبة إلى العمّال الأميركيين. وفي حين أن الولايات المتحدة قادت، ولفترة طويلة، تحرير التجارة العالمية - اعتقاداً منها بأن الأسواق المفتوحة والقائمة على القواعد تزيد من «الرخاء»، فضلاً عن كونها توسِّع نفوذَها - إلا أن «عدم المساواة» التي تفرضها قواعد كهذه أدّى إلى تزايد الشكوك في شأن هذا النموذج لدى كلا الحزبين الرئيسين (الديمقراطي والجمهوري) في واشنطن. في الوقت ذاته، ناضَل صناع السياسة الأميركية لإيجاد الطريقة المثلى لمواجهة الصين التي تزداد حزماً. لكن ترامب أخذ الرهان إلى مكان آخر، مطلقاً حرب جمارك عالمية ضد بكين، وأشار إلى وجود خللٍ جوهري في النظام التجاري العالمي من خلال تقويض آلية عمل منظمة التجارة العالمية، وصولاً إلى التهديد بالانسحاب من الهيئة بالكامل.«لقد اتّفقنا على صفقة كبيرة جداً حول المرحلة الأولى مع الصين. هم وافقوا على تغييرات هيكلية كثيرة ومشتريات ضخمة من المنتجات الزراعية والطاقة والسلع المصنّعة». تعليق الرئيس الأميركي هذا جاء غداة إعلان بكين على لسان نائب وزير التجارة الصيني، وانغ شوين، أن «الدولتين اتّفقتا على نصّ المرحلة الأولى لاتفاق تجاريّ واقتصادي»، سيؤدّي إلى إلغاء واشنطن بعض الرسوم الجمركية التي فرضتها على بضائع صينية بقيمة 360 مليار دولار. اتفاقٌ لا يزال يتعيَّن على الجانبين التوقيع عليه. وهو يشمل، وفق وانغ، تعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية، وتوسيع الوصول إلى الأسواق، وحماية حقوق الشركات الأجنبية في الصين، وهي مسائل تكمن في صميم شكاوى الولايات المتحدة حول سياسات بكين الاقتصادية.
رجّح ترامب أن تصل مشتريات الصين من المنتجات الزراعية الأميركية إلى 50 مليار دولار


وتلغي واشنطن، بموجب اتفاق الجمعة، فرضَ رسوم جمركية على واردات صينية كان من المقرّر أن يبدأ سريانها يوم غدٍ الأحد، وذلك في إطار ما يُطلَق عليه «المرحلة الأولى» من الاتفاق. وعبر «تويتر»، كتب ترامب أن الرسوم «لن تُفرض نظراً إلى أننا توصّلنا إلى الاتفاق»، لافتاً إلى أن الرسوم الحالية بنسبة 25% على سلع صينية بقيمة 250 مليار دولار ستبقى مطبّقة حتى إجراء المزيد من المفاوضات حول مرحلة ثانية من الاتفاق، إضافة إلى رسوم بنسبة 7.5% على سلع مستوردة أخرى بقيمة 120 مليار دولار. لاحقاً، قال للصحافيين في البيت الأبيض: «إنها صفقة رائعة»، لكنه أشار إلى أن بلاده ستستخدم الرسوم الجمركية المتبقية (250 مليار دولار) على البضائع المستوردة من الصين، كأداة ضغط في التفاوض على المرحلة الثانية من اتفاق التجارة، مؤكداً أن بكين تريد بدء المحادثات في شأن المرحلة الثانية على الفور، وهو إطار زمني قال إنه لا يعترض عليه. وبموجب اتفاق المرحلة الأولى، رجّح ترامب أن تصل مشتريات الصين من المنتجات الزراعية الأميركية إلى 50 مليار دولار (أي ما يعادل مثلَي ما اشترته في عام 2017). ويُعدّ ذلك الشرط أحد المطالب الرئيسة للرئيس الأميركي، لكن المسؤولين الصينيين لم يكشفوا بعد أيّ أرقام في هذا السياق. من جهته، قال مكتب الممثل التجاري الأميركي إن الولايات المتحدة وافقت على تعديل رسومها الجمركية على بضائع صينية «بشكل كبير» بموجب اتفاق المرحلة الأولى للتجارة، في حين ستشتري الصين كميات كبيرة إضافية من البضائع والخدمات الأميركية. وبيّن أن اتفاق التجارة يتطلّب ادخال إصلاحات هيكلية على النظام الاقتصادي والتجاري للصين في مجالات الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا والزراعة والخدمات المالية والعملة والنقد الأجنبي.
اتبع ترامب، في فترة ولايته الأولى، سياسة خارجية تعكس تعهُّده نهج «أميركا أولاً» في تعاملات إدارته في الخارج. ومن هنا، يأتي الاتفاق الأميركي - الصيني المحدود الذي أُعلن عنه يوم أمس، ليسجّل «انتصاراً» خارجياً بالنسبة إلى رئيس لم يتمكّن، حتى الآن، من تحقيق أيّ مكاسب خارجية تؤهّله للحديث عن سياسة خارجية ناجعة. في واشنطن، يُنظر إلى الاتفاق بصفته انفراجاً سيمنع تصعيد حرب الجمارك قبل انتخابات عام 2020، فضلاً عن أنه يمكن أن يساعد في تنشيط التجارة بين أكبر اقتصادين في العالم. ويمنح الاتفاق فوزاً تجارياً آخر يمكّن ترامب من أن يتوجه به إلى قواعده الانتخابية كـ«انتصار»، فيما يتابع الكونغرس الأميركي إجراءات محاكمته. وجاء الاتفاق في الأسبوع ذاته الذي وافقت فيه الإدارة مع الديمقراطيين في مجلس النواب على مراجعة شروط اتفاق التجارة المنقّح مع كندا والمكسيك.