طهران | خلال عروض القوات المسلحة الإيرانية ضمن فعاليات «أسبوع الدفاع المقدّس» (الذكرى السنوية لبدء الحرب العراقية - الإيرانية في أيلول 1980)، التي أجريت برعاية كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين في أرجاء البلاد، عُرضَت سلسلة كبيرة من المعدات والتجهيزات والأسلحة والأدوات الدفاعية والهجومية للقوات المسلحة، بما فيها الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة المخصصة للرصد والهجوم، وصولاً إلى معدّات القتال البري واللوجستي وأصناف متطورة من رادارات الرصد المصنعة محلياً. وقد عُرض بعض هذه الأسلحة للمرة الأولى.
التمسّك بالبرنامج الصاروخي
عرض 18 صاروخاً باليستياً لقوة الجوفضاء، التابعة للحرس الثوري، شكّل على الدوام أحد الأقسام الرئيسة لعروض القوات المسلحة. وهذه الصواريخ كانت من طراز «قدر» و«عماد» و«سجيل» و«خرمشهر» و«قيام». هذه السنة، عُرض أحدث رأس حربي لصاروخ «خرمشهر» الباليستي البعيد المدى. وقد عُرض سابقاً الرأس الحربي المجنّح لصاروخ «خرمشهر» تحت عنوان «خرمشهر 2». الصاروخ الباليستي البالغ مداه 2000 كلم قادر على حمل رأس حربي واحد أو عدة رؤوس حربية تزن حتى 1800 كلغ.
عُرضت هذه الصواريخ بينما تبدي الولايات المتحدة وأوروبا، مراراً وتكراراً، معارضتهما لتطوير البرنامج الصاروخي الإيراني، وتدعوان إلى الدخول في مفاوضات بهذا الخصوص. بيد أن طهران تعتبر أن تطوير برنامجها الصاروخي يندرج في إطار استراتيجيتها الدفاعية، ويمثّل خطاً أحمر بالنسبة إليها، وهي أعلنت مراراً أنها غير مستعدة للدخول في محادثات في هذا المجال. تجديد عرض الصواريخ الباليستية عَكَس الرسالة الإيرانية التي تعبّر عن إرادتها لمواصلة ذلك البرنامج، على رغم كل أشكال المعارضة له.

الأرض - جو... اكتفاء ذاتي
إحدى ميزات عروض القوات المسلحة هذه السنة تمثّلت بعرض القوة الدفاعية. وقبل ثلاثة أشهر تقريباً، عندما تمكّنت الدفاعات الجوية لحرس الثورة من استهداف الطائرة الأميركية المسيّرة «غلوبال هوك» التي لا يرصدها الرادار، وذلك بسبب اختراقها للمجال الجوي الإيراني، أصيب كثيرون بالذهول والاستغراب، واعتبر البعض أن هذا الحدث يشكّل منعطفاً في قوة الردع الإيرانية.
استطاعت إيران خلال السنوات الأخيرة تحقيق تقدّم لافت في مجال إنتاج المنظومات الرادارية والدفاعية، الأمر الذي يمكن أن يحول بصورة جادة دون استخدام الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما الإقليميين للخيار العسكري ضدها. وفيما اشترت المملكة العربية السعودية مئات مليارات الدولارات من الأسلحة الأميركية، فإنها غير قادرة على صدّ هجمات اليمنيين بالطائرات المسيّرة والصواريخ، وغير قادرة حتى على التعرّف إلى مصادر النيران على وجه الدقة، بينما تمكّنت إيران من خلال منظوماتها الرادارية والدفاعية من إسقاط المسيّرة الأميركية التي لا يرصدها الرادار.
غابت منظومتا «أس 200» و«أس 300» الروسيتان وحلّت محلّهما المنظومات المحلية


في عروض القوات المسلحة، وللمرة الأولى، عُرضت منظومة الدفاع الجوي البعيدة المدى «باور 373» التي كانت قد دُشّنت في 22 آب/ أغسطس من هذه السنة برعاية كبار المسؤولين العسكريين. وهي أول منظومة طويلة الارتفاع دفاعية محلية تملك قابلية التحرّك الهائل والقدرة على رصد 300 هدف، مع إعطاء الأولوية لـ100 هدف والاشتباك مع 6 أهداف بشكل متزامن. كذلك عُرضَت منظومة «15 خرداد» الدفاعية المحلية الصنع للمرة الأولى هي الأخرى. وتمتلك تلك المنظومة القابلية لاكتشاف الأهداف حتى مسافة 150 كلم، والاشتباك وتدمير الأهداف بمدى 45 كلم، وكذلك القابلية للتحرك الهائل ورصد الأهداف المتخفية والاشتباك المتزامن مع 6 أهداف.
صواريخ «أس 200» الدفاعية التي كانت تلحظها الأعين في معظم العروض بسبب حجمها الضخم، لم تكن حاضرة هذه المرة في العروض، ويبدو أن الدفاعات الجوية الإيرانية قد ودّعت أخيراً تلك المنظومة الروسية القديمة. وتفيد المعلومات بأن منظومة «تلاش» وصواريخ «صيّاد» حلّت محل «أس 200» في المنظومة القتالية للقوات الإيرانية. وخلال العرض العسكري، عُرضت أيضاً طرازات مختلفة من سلسلة صواريخ «صياد». وهي صواريخ تُستخدم بصورة رئيسة في منظومتي «باور 373» و«تلاش». ومن المشاركات في الاستعراض الدفاعي للجيش، رادارات «حافظ مرصاد 16» المتعلّقة بمنظومة «باور 373»، ومنظومة «أرش» الرادارية الثلاثية الأبعاد. والموضوع الآخر اللافت، أن «أس 300» الروسي أيضاً كان متغيّباً، في ما يبدو أن مردّه حلول المنظومات المحلية محلّه.

المسيّرات
وفي مجال تصنيع الطائرات المسيّرة، عُرض هذه السنة إنجاز جديد يسمى «كمان 12». وهذه الطائرة المسيّرة من دون طيار التي كانت قد عرضت للمرة الأولى في معرض صناعات الدفاع «عشرة فجر» العام المنصرم، ظهرت في عروض القوات المسلحة كنموذج لأحدث جيل من الطائرات المسيّرة للقوات الجوية للجيش. «كمان 12»، التي يصل نصف قطر عملياتها إلى ألف كلم، قادرة على حمل شحنة تزن 100 كلغ، وتبلغ سرعتها 160 كلم في الساعة، فيما تصل السرعة القصوى لطيرانها في السطح إلى 200 كلم في الساعة. أيضاً، شاركت قنبلة «قاصد» الذكية، المنجز المحلي المميّز للقوات الجوية للجيش، شاركت في مراسم هذا العام. وتُعدّ هذه القنبلة من أهم قنابل الجو - سطح وأكثرها تدميراً، إذ صُمِّمَت وصُنِّعَت تأسيساً على قواعد القتال غير المتكافئ، ولعلّ من أهم ميزاتها «الفاعلية البالغة» و«القدرة المدمرة» و«الاستهداف الدقيق للغاية» و«الإفادة من النظام الإلكتروني».
إقامة معرض «اصطياد النسور» في «أسبوع الدفاع» هو أحد البرامج الأخرى التي حملت رسائل خاصة. إذ عُرض في المعرض الذي أقامته قوة الجوفضاء التابعة للحرس الثوري، وللمرة الأولى، حطام المسيّرات الأميركية التي أُسقِطَت، وكذلك المسيّرات التي غنمتها إيران. الإجراء حاول مرة جديدة إظهار قوة الردع الإيرانية على خلفية التهديدات الأميركية المتواصلة والمتجددة بعد حادث «أرامكو». وقد عُرضَت الطائرات المسيّرة: «آر كيو 170» و«سكن إيغل» و«آيروسوند» و«أم كيو 1» و«هرمس 200» و«آر كيو 11» و«درزت هاوك» و«فونيكس» و«آر كيو 7» وحطام المسيّرة «أم كيو 9 سي».
هكذا، وبينما تنتهج الولايات المتحدة سياسة «الضغوط القصوى» ضد إيران، فإن الأخيرة، من خلال اتخاذ إجراءات، جنباً إلى جنب الدبلوماسية، بما فيها خفض التزاماتها في الاتفاق النووي وتطوير برامجها الدفاعية والعسكرية في إطار استراتيجية «الردع الأقصى» المقابلة والمزيد من التحرك في المنطقة، واثقة من أنها بصدد الإمساك بزمام المبادرة، وجعل الضغوط التي تمارَس ضدها مكلفة، وما رسائل «أسبوع الدفاع» سوى محاكاة لهذه الاستراتيجية والموقف الإيرانيين.