حرص جان إيف لودريان، وزير الخارجية الفرنسي، عند إعلانه عن مبادرة أوروبية لـ«تعزيز الأمن البحري» في الخليج، على التأكيد عن تمايز هذه المبادرة عن المقاربة الأميركية حيال إيران، الهادفة إلى ممارسة ضغوط قصوى عليها. وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورانس بارلي، حاولت تقديم المزيد من التوضيحات، التي تنسجم مع إعلان وزير الخارجية، عندما قالت إن مشاورات تجرى مع ألمانيا وبريطانيا «من أجل التأسيس لعمل مشترك، يسهم في ضمان أمن الملاحة في الخليج، ويتيح إمكانية القيام بتقدير موقف مستقل... لدينا جميعاً إمكانيات وقدرات في الخليج. ليس المطروح تعزيزها، بل السعي للتنسيق بين هذه الإمكانيات والقدرات، وتقاسم المعلومات». اللافت أن المواقف الأميركية حول المبادرة المذكورة جاءت تماماً على النقيض من هذه التصريحات الأوروبية، إذ جزمت، كما فعل رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد، ووزير الدفاع مارك إسبر، في تصريحين منفصلين، أنها متكاملة مع المقاربة الأميركية. لم تتجرأ أي مرجعية سياسية أوروبية على الرد على هذه التصريحات الأميركية. والواقع هو أن الدول الأوروبية، على رغم عدم رغبتها في نشوب نزاع في الخليج لما له من تداعيات كارثية على مصالحها، عدا عن التورط فيه، ستتعرض لضغوط ولمحاولات توريط مستمرة من قِبَل خبراء الخداع والتآمر الذين يحيطون بالرئيس الأميركي، والمسؤولين عن وصول الأوضاع في الخليج إلى ما هي عليه، وقد تجد نفسها بالنتيجة منساقة خلف واشنطن.عندما تقوم بريطانيا باحتجاز ناقلة نفط إيرانية عند عبورها مضيق جبل طارق، في ظلّ تصعيد الحرب الأميركية على إيران التي تستخدم أدوات الضغوط الاقتصادية والمالية وزعزعة الاستقرار، من دون الانتقال إلى الآن إلى العمليات العسكرية المباشرة، يكون الفعل البريطاني مساهمة مباشرة في الحرب. جميع الحجج والمبررات التي تُطرح لتفسير عملية الاحتجاز، كالإشارة إلى أن وجهة الناقلة كانت سوريا الخاضعة لعقوبات أوروبية، وأن الناقلة احتُجزت عند عبورها مياهاً «أوروبية»، لا تستحق التعليق. لو أرادت بريطانيا حقيقة المساعدة على «خفض التصعيد» وإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، كما تزعم، ما كانت لتقدم على هذه الخطوة التي من شأنها زيادة مستوى هذا التصعيد. عدة تقارير صحافية أشارت إلى أن بريطانيا تعرضت لعملية توريط من قِبَل بولتون، الذي توقّع سلفاً أن الفعل البريطاني سيواجَه بردة فعل إيرانية، ما يفضي إلى انجرار بريطانيا إلى المواجهة مع إيران خلف الولايات المتحدة. كان بإمكانها إفشال مخطط بولتون لو أرادت ذلك، والتراجع وإطلاق الناقلة الإيرانية، لكنها لم تفعل.
الفعل البريطاني مساهمة مباشرة في الحرب


اعتبارات كثيرة تسمح بفهم خلفية سلوكها، وأوّلها الارتباط الفكري ــــ السياسي والمصلحي لغالبية نخبها بالولايات المتحدة. المستغرب هو مواقف الأطراف الأوروبية الأخرى. هي استنكرت رد الفعل الإيراني، من دون الإشارة إلى الفعل البريطاني، وباتت تريد «تعزيز الأمن البحري» في الخليج. هي تتجاهل حقيقة أن تهديد الأمن البحري نجم مباشرة عن فرض حالة شبه حصار على إيران ضمن سياسة معلنة تهدف إلى خنقها اقتصادياً وتجويعها، لتطويعها وإرغامها على الإذعان للشروط الأميركية، التي سبق لوزير الخارجية مايك بومبيو أن أعلنها في شهر أيار الماضي. إيران تتعرض لحرب. كيف يمكن للدول الأوروبية «الحريصة» على الاتفاق النووي وعلى وقف التصعيد أن تتجاهل هذا المعطى البديهي؟ عند توضيحه لطبيعة مبادرته، شرح وزير الخارجية الفرنسي أن غايتها هي ضمان حرية الملاحة «بطريقة دبلوماسية، على عكس المقاربة الأميركية الهادفة الى ممارسة أقصى الضغوط على إيران»، لكنه أشار إلى أن الأوروبيين سينسقون مع الأميركيين على المستوى العملياتي. الطرف الأميركي يفرض حصاراً خانقاً على إيران، وهو يأمل أن يستمر إلى أن تنضج شروط استسلامها، وهي، كما أظهرت التطورات في الشهرين الماضيين، لن تفعل. ستتصدى لأي انتهاك لسيادتها، وستلجأ الى شتى الوسائل والأدوات المتاحة لكسر الحصار. يعني هذا الكلام أن الأوروبيين قادمون لمراقبة إيران وأفعالها لا غير، وأن أي تدحرج ينجم عن فعل أو رد فعل غير محسوب سيقود إما إلى أن يكونوا شهود زور على الحرب أو متورطين فيها.