طهران | تسلَّح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بحججه لتبرير تراجعه على مسافة 10 دقائق فقط من ردّ على إسقاط طائرة الاستطلاع، كان مقرّراً، بحسبه، أن يُوجَّه إلى ثلاثة مواقع إيرانية: «عندما سألت: كم شخصاً سوف يموت؟ أجاب أحد الجنرالات: 150 شخصاً»، وهو ما عدّه ترامب «رداً غير متناسب» مع إسقاط طائرة غير مأهولة. طهران، من جهتها، سبقت الرئيس الأميركي إلى نقطة الخسائر البشرية، فكشفت أمس أنها امتنعت خلال العملية عن إسقاط طائرة تجسّس أميركية تحمل 35 شخصاً، كانت تسير إلى جانب الطائرة التي أُسقطت، لتؤكد بذلك مشاطرتها لواشنطن في وجهتها القاضية بتجنب سقوط قتلى خلال هذه المرحلة من التصعيد. قائد القوة الجوية في الحرس الثوري، أمير علي حاجي زاده، الذي أدلى بهذه التفاصيل، أوضح أن قواته حذرت الطائرة الأميركية ثلاث مرات قبل أن تُنزلها، مؤكداً أن مشاهد ركام الطائرة التي عُرضت عبر التلفزيون الإيراني «تثبت انتهاك واشنطن للحدود الإيرانية». حاجي زاده، في سياق حديثه، أفصح عن قيام طهران بإطلاق صاروخ تحذيري على طائرة مسيّرة أميركية الأسبوع الماضي، ما يؤكد تصريح المسؤول الأميركي الذي قال في الوقت ذاته لشبكة «سي أن أن» الأميركية إن صاروخاً إيرانياً فشل في إصابة طائرة مسيّرة أميركية كانت تقترب من ناقلات النفط اليابانية المُستهدفة في بحر عمان.ما جرى في الساعات الماضية يضعه الكاتب الإيراني، حسن هاني زاده، في إطار «مرحلة التقييم الأميركي للقدرات العسكرية الإيرانية»، مضيفاً في حديثه إلى «الأخبار» أن «أميركا أنهت هذه التجربة بتسيير طائرة غلوبل هوك المتطورة جداً، معتقدةً أن الرادار الإيراني لن يلتقطها»، لكن «الخطأ في الحسابات»، والذي تمثل في إسقاط تلك الطائرة بمنظومة دفاع جوي «متأخرة نسبياً»، دفع إدارة ترامب إلى «عدم الإسراع في الرد على طهران»، مُعللاً ذلك بـ«اقتراب ترامب من معركة الرئاسة الأميركية العام المقبل، فضلاً عن دنوّ موعد مؤتمر البحرين الذي سيعقد لتمرير صفقة القرن». على هذه الخلفية، يرى المحلل السياسي الإيراني، حسين رويوران، أن «ما حدث في اليومين الماضيين ذهب بالحل العسكري بعيداً»، مستشهداً في حديثه إلى «الأخبار» على ذلك بـ«حالة اختبار القوة والتفاوت في الإرادات الذي أثبتت إيران نفسها فيه عندما جعلت أميركا تعيش في هذا التخبط».
نفت إيران تلقّيها رسالة أميركية تطلب المفاوضات مقابل الامتناع عن توجيه ضربة


المواقف الإيرانية التي تلاحقت خلال الساعات الماضية، شدّدت في رسالتها لسويسرا (القائمة بالمصالح الأميركية في إيران) على أن «أميركا ستكون مسؤولة عن عواقب أي عمل عسكري ضدها»، ولذلك فإن القوات الإيرانية، كما يؤكد حسن هاني زاده، «رفعت مستوى جاهزيتها واستعدادها خصوصاً في جنوب البلاد»، بعد أن كانت قد «استعرضت جزءاً من حرفيتها وقدرتها»، التي يبيّن حسين ريوران أنها تمثلت في «قدرة منظومة الدفاع الجوي الإيرانية الصنع التي دخلت الخدمة عام 2014 على أن تسقط الطائرة الأميركية المتطورة جداً، وأن تميز بينها وبين الطائرة المأهولة، إلى جانب قدرتها على إطلاق تحذيرات متعدّدة لتلك الطائرات قبل أخذ القرار باستهدافها»، ليستاءل بناءً على ذلك عن «الإمكانيات التي ستقدمها منظومات الدفاع الجوي الإيراني التي دخلت الخدمة عامي 2016 و2018».
ارتفاع حدّة المواجهة بين واشنطن وطهران خلال الساعات الماضية، لم يحجب أخبار الرسائل المنقولة عبر أطراف ثالثة. فقد تناقلت وسائل إعلام عالمية، صباح أمس، أن إيران تلقّت رسالة أميركية تطلب منها الجلوس على طاولة المفاوضات مقابل امتناع واشنطن عن توجيه ضربة لطهران. وهو ما نفاه المتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي الإيراني، كيوان خسروي. وعلى رغم هذا النفي، فإن حسن هاني زاده يعتقد أن «إيران لا تفضل الخيار العسكري»، مستدلّاً على هذا الاعتقاد بـ«نية طهران استقبال المندوب الفرنسي الذي سيرسله ماكرون لتهدئة الطرفين وسحب فتيل الاشتعال».
مقابل ما يراه الإيرانيون «انتصاراً نسبياً» أتت به التطورات، يتسع المأزق في واشنطن، ولا تتوقف تداعياته على معادلات الردع وعلى الحلفاء في الإقليم، بل تمتدّ إلى الجانب الاقتصادي حيث سجّلت أسعار النفط الأميركي ارتفاعاً بمقدار 10% خلال أسبوع فقط. من هنا، تتلاشى أهمية اتصال ترامب بحليفه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والذي بحثا خلاله «الدور الحيوي للسعودية في ضمان الاستقرار في الشرق الأوسط وفي سوق النفط العالمية، والتهديد الذي يشكله السلوك التصعيدي الذي ينتهجه النظام الإيراني»، وفق إفادة البيت الأبيض أمس.