طهران | بدأ رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، أمس، زيارة لطهران، هي الأولى من نوعها منذ أربعين عاماً. تأتي الزيارة بعد ترحيب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أخيراً من طوكيو، بخطوة من هذا النوع، ومطالبته مضيفه بتشجيع إيران على استئناف المفاوضات النووية وغير النووية مع الولايات المتحدة بغية الوصول إلى اتفاق جديد.لا يقتحم اليابانيون عادة المواقع الصعبة، ويتجنبون الخوض في المغامرات، ويفضلون البقاء خارج القضايا الكبرى، إلا أن قضية إيران تتصل مباشرة بالأمن الاقتصادي لليابان؛ إذ إن الشرق الأوسط هو المصدر الرئيس للخام الذي تستهلكه اليابان. كذلك، أتاح مزاج ترامب، المعارض لأوروبا، فرصة لظهور طوكيو كوسيط بين واشنطن وطهران، فضلاً عن أن الأوروبيين فقدوا إمكانية أداء دور الوسيط، لسبب بسيط، هو أن إيران تتوقع منهم قبل كل شيء التزام تعهداتهم بموجب الاتفاق النووي.
وفيما يعلّق الخبراء آمالاً على نجاح الوسيط الياباني في عقد لقاء بين الرئيسين الأميركي والإيراني، إلا أن مسؤولاً رفيع المستوى في وزارة الخارجية اليابانية قال، الثلاثاء الماضي، خلال مؤتمر صحافي، إن الغاية من زيارة آبي لطهران ليست الوساطة بين إيران والولايات المتحدة، بل «تعزيز العلاقات الثنائية، والاحتفال بمناسبة الذكرى الـ90 للعلاقات الإيرانية ــــ اليابانية».
وتأتي زيارة آبي بعد يومين من زيارة وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، التي تعرّف من خلالها إلى مدى سخط الإيرانيين على الأوروبيين جرّاء تملص الأخيرين من تنفيذ تعهداتهم، ولهذا تحفّظ المسؤول في الخارجية اليابانية عند الحديث عن أهداف زيارة آبي. هو يعرف جيداً أن بلاده ليست قادرة على التزام موقف الحياد، وأنها مجبرة على التزام قرارات الولايات المتحدة، لكنها قامت بدور الوسيط إبان الحرب العراقية ــــ الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي.
لا يقتحم اليابانيون عادة المواقع الصعبة، ويتجنبون الخوض في المغامرات


مع ذلك، هناك فروق بين تلك الوساطة والوساطة بين إيران والولايات المتحدة حالياً. والظاهر أن هذا المسؤول الياباني، الذي وصل إلى طهران قبل ثلاثة أيام من وصول رئيس الوزراء آبي، وشاهد الهدوء الذي يتمتع به الشارع، وثقة الشعب الإيراني بنفسه، وعى جيداً أن النظام الإيراني ليس مضطراً إلى الذهاب إلى طاولة المفاوضات، وأنه لن يتنازل عن شروطه، الأمر الذي لا يبقي حظوظاً كبيرة لنجاح الوساطة وإمكانية جرّ إيران إلى التفاوض.
خلال المؤتمر الصحافي المشترك، قال الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إن محور الحديث مع آبي كان العلاقات الثنائية، إضافة إلى الأمن والانفراج في المنطقة، وخاصة مشاركة اليابان في مرحلة إعادة البناء في سوريا وإنهاء الحرب في اليمن. وأكد روحاني أن إيران لن تبدأ أي حرب حتى مع الولايات المتحدة، إلا أنها ستردّ على أي اعتداء عليها بشكل حاسم. وأضاف أنه «تحدث مع رئيس الوزراء الياباني عن الاستثمار الياباني في إيران، خاصة في تنمية ميناء تشابهار» الذي تشارك فيه الهند.
من جانبه، شدد آبي على ضرورة منع التوتر في المنطقة، موضحاً أن هذا هو محور زيارته لطهران. وقال بلغة مهذبة: «قد لا تكون بعض كلماتي مرغوبة أو مستحسنة لدى الجانب الإيراني، لكنهم يعبّرون عن اهتمامهم بتحسين الوضع». لكن روحاني ردّ عليه بالقول: «إذا كانت هناك توترات، فإن جذورها تعود إلى الحرب الاقتصادية التي تشنّها أميركا على إيران. وعندما تتوقف سنشهد تغييراً إيجابياً جداً في المنطقة والعالم».
يبدو أن آبي يحمل رسالة من ترامب، الذي يعتبر إيران مصدر التوتر، ويريد إنهاء دورها في المنطقة. وقد أثبتت مواقف الأول خلال المؤتمر المشترك، أن تصريحات المسؤول في الخارجية اليابانية لم تكن دقيقة، إذ إن رئيسه ركّز على القضايا الإقليمية، وأعطى مجالاً هامشياً للعلاقات الثنائية، ومن المحتمل أن تكون لديه أوراق مشجعة لإيران، ومنها رفع العقوبات النفطية عنها خلال فترة التفاوض مع الولايات المتحدة.
لكن آبي بذل أقصى جهوده لإعفاء بلاده من العقوبات على شراء النفط الإيراني، ولم ينجح، لتوقف المصافي اليابانية لاحقاً عن شراء النفط من إيران، فهل سينجح في رفع العقوبات الأميركية عن الجمهورية الإسلامية، كشرط مسبق تضعه الأخيرة للعودة إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة؟ مهمّته صعبة للغاية.