طهران | ألغت الولايات المتحدة إعفاء الدول التي كانت تتبادل اليورانيوم المخصب باليورانيوم الطبيعي منذ عقد الاتفاق النووي حتى الآن. وتوعدت على لسان وزير خارجيتها، مايك بومبيو، بفرض عقوبات على أي جهة تشارك في تخزين الماء الثقيل الإيراني الذي يتخطى المعدلات المسموح بها، علماً بأن الاتفاق النووي المبرم بين إيران ودول 5+ 1 يجيز لإيران الإبقاء على 300 كلغ من اليورانيوم الذي تخصبه بنسبة 3.67 %، وتصدير الفائض من اليورانيوم المخصب إلى الخارج. كما سمح الاتفاق لإيران بالحصول على اليورانيوم الطبيعي مقابل بيع اليورانيوم المخصب. هكذا، تستخدم الولايات المتحدة جميع الوسائل المتاحة لدفع طهران نحو خرق الاتفاق النووي، ما يؤدي إلى انهياره نهائياً. فانسحاب واشنطن من الاتفاق لم يؤدّ إلى انهياره؛ لأنها ليست إلا واحدة من الدول الخمس الموقّعة، كما أنها عضو واحد في الأمم المتحدة. لكن انسحاب إيران لا يبقي شيئاً من الاتفاق النووي، ويؤدي إلى عزلة طهران على الساحة الدولية. وطهران هي التي ستدفع تكلفة انهيار الاتفاق، في حين أن الولايات المتحدة تشاركها في دفع تكلفة الانسحاب من الاتفاق النووي، وفرض عقوبات إضافية عليها. الانسحاب الأميركي من الاتفاق فرض خسائر كبيرة على إيران، لكن بقاء الأخيرة في الاتفاق، رغم الخرق الأميركي له، قدم لها انتصاراً أخلاقياً وسياسياً، وأحدث شرخاً بين واشنطن وحلفائها الأوروبيین، وسجّل هزيمة أخلاقية وسياسية للولايات المتحدة. وعلى رغم انسحاب الأخيرة من الاتفاق، فإن دول الاتحاد الأوروبي تحرص على الإبقاء عليه، وتحاول فتح قناة للتبادل المالي (إينستكس) مع إيران، مؤكدة على تأثير الاتفاق على أمن أوروبا. هكذا، فشلت الولايات المتحدة في جرّ الدول الأوروبية إلى معسكرها، وتعويضاً عن فشلها عادت بخطة دقيقة للغاية، وهي دفع الأوروبيين إلى خرق الاتفاق النووي، ليس طوعاً، بل عبر إعجازهم عن تطبيقه. ذلك لأن موضوع تخصيب اليورانيوم يشكل قلب الاتفاق النووي، وفي حال استحالة تطبيق هذه الغاية لم يعد للاتفاق معنى.
التخصيب فترةَ العقوبات السابقة خير دليل على جودة اليورانيوم الطبيعي المحلي


هل يوصل القرار الأميركي الأخير، إيران، إلى طريق مسدود وتجميدها التخصيب النووي، أم سيحوّلها إلى برميل لليورانيوم المخصب؟ لمح رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية، علي أكبر صالحي، إلى الثاني، حيث صرح بأن هذا القرار يصبّ لمصلحتنا. وعلى الرغم من أنه لم يعط تفاصيل في شأن ذلك، فإن من الواضح أنه يقصد أن إيران ترى من حقها تخزين الفائض من اليورانيوم المخصب في حال عدم التمكن من تصديره إلى الخارج. وهناك فرق بين اليورانيوم المخصب وبين النفط، حيث إن بيع اليورانيوم إنما يتم لأطراف أو جهات رسمية ولا يتم تهريبه أو بيعه لمشترين غير معترف بهم دولياً، في حين أن حمولات النفط يمكن بيعها عبر «الطرق الرمادية» للمتجولين على البحار.
ويبقى الكلام في ما إذا كانت ثمة مصادر أخرى لليورانيوم الطبيعي في حال امتناع الدول التي تتبادله باليورانيوم المخصب الإيراني. نعم، إيران لديها مناجم لليورانيوم الطبيعي، وقد أكد رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية في عام 2015 أن حجم احتياطي اليورانيوم في إيران «يبعث على الأمل»، وأنه لا يستطيع إعطاء المزيد من التفاصيل بشأن ذلك. السر في احتفاظ إيران بالسرية في ما يتعلق باحتياطي اليورانيوم لديها أو شرائها اليورانيوم الطبيعي من روسيا، يكمن في أن إيران كانت حريصة على تطمين المجتمع الدولي والالتزام بالحد الأقصى من الشفافية. ورغم ذلك، هناك تقرير لمؤسسة «كارنيغي» يقول إن النوعية الرديئة لليورانيوم الطبيعي الإيراني وندرته تدفعان إيران إلى شراء اليورانيوم الطبيعي من الخارج. لكن يبدو أن تخصيب اليورانيوم الطبيعي الإيراني خلال فترة العقوبات السابقة، وبالتحديد من 2009 إلى 2015، خير دليل على جودة اليورانيوم الطبيعي المحلي.
وإذا كانت الولايات المتحدة تراهن على قطع مصادر اليورانيوم الطبيعي للمنشآت النووية الإيرانية، واختناق تلك المنشآت من الداخل، فيبدو أنها تراهن على الفرس الخاسرة. هذا بغض النظر عن أن روسيا لا ترضخ لإملاءات الولايات المتحدة، وفق تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، الذي قال خلال مؤتمره الصحافي يوم السبت: «أي تهديدات أميركية بفرض عقوبات على النظام الإيراني والمتعاونين معه، لن تؤدي إلى وقف التعاون بين موسكو وطهران في مجال الطاقة النووية». كما عارضت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، ووزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا، القرار الأميركي بعدم تمديد الإعفاءات التجارية لإيران. وجاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية الألمانية: «رفع العقوبات هو جزء لا يتجزأ من خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني، والذي يهدف إلى أن يكون له تأثير إيجابي على العلاقات التجارية والاقتصادية مع إيران وحياة الشعب الايراني».
ملخص القول إن العقوبات الأخيرة التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران والمتعاونين معها في مجال تبادل اليورانيوم الطبيعي والمخصب، يدلّ في ما يدل على خيبة أمل الإدارة الأميركية وإخفاقها في الحصول على أهدافها في جميع العقوبات السابقة. عقوبات تشمل كل شيء في إيران، حتى بات يتندر البعض بأن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سيصدر قرار منع إدخال ديوان الشاعرين الإيرانيين الكبيرين حافظ الشيرازي وخيام النيسابوري إلى أراضي الولايات المتحدة!