في الوقت الذي تستعدّ فيه الحكومة الفرنسية إلى تحرّك جديد يوم غد لحركة «السترات الصفراء»، مثّلت مشاهد احتجاز الشرطة لطلاب إحدى المدارس، يوم أمس، صدمةً، حيث ظهر هؤلاء راكعين أو جالسين أرضاً وأيديهم فوق رؤوسهم، ما استدعى وصف ممارسة السلطات الفرنسية من قبل البعض بـ«الفاشيّة». واستعداداً لتظاهرات «الستراء الصفراء» يوم غد، تنشر الحكومة الفرنسية 89 ألفاً من رجال الأمن في أنحاء البلاد، منهم ثمانية آلاف في باريس حيث سيتم أيضاً نشر عربات مدرعة في الشوارع، بحسب رئيس الوزراء إدوار فيليب. وتجنباً لزيادة الغضب، بحسب الرئاسة، حدّد الرئيس الفرنسي الأسبوع المقبل، موعداً لإلقاء خطاب حول ما سمّاه «أزمة السترات الصفراء».

«صور غير لائقة لديموقراطيتنا»
بعدما امتدّ الغضب في الأيام الماضية إلى صفوف طلبة الثانويات والجامعات والمزارعين، وشهدت نحو 200 ثانوية ومعهد وبعض الجامعات إغلاقات أو اضطرابات مجدداً يوم أمس لليوم الرابع؛ انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يظهر طلاباً فرنسيين، جالسين على ركبهم وأياديهم خلف رؤوسهم، ضمن إجراء يكشف تعامل الشرطة معهم في تظاهرات أمس للمطالبة بتعديل نظام القبول في الجامعات.
وكان حساب مجموعة مراقبي العنف الشرطي (مجموعة رقابية إلكترونية) على «تويتر» أول من أمس نشر المقطع المصوّر، الذي ظهر فيه أيضاً الطلاب محاطين بعدد من رجال الشرطة المجهّزين بمعدات مكافحة الشغب كالخوذ، والهروات، والدروع، بحسب صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية.


ويعود الفيديو إلى واقعة توقيف الشرطة الفرنسية، أمس، 153 طالباً من مدرسة «سانت إيكزوبيري» في مدينة مانت لاجولي في منطقة إيل دو فرانس، شمالي وسط فرنسا، ليصبح مجموع الموقوفين، يوم أمس، أكثر من 700 طالب في أنحاء البلاد، بتهمة المشاركة في الاحتشاد المسلّح.
بحسب وكالة «فرانس برس»، جاءت التوقيفات بعد حوادث جديدة حول مدرسة «سانت ايكزوبيري»، حيث تم إحراق سيارتين وجرت مواجهات مع الشرطة.
وكان وزير الداخلية قد قال، في بيان، مساء أمس، إنه جرى توقيف «122 شخصاً الساعة 12.20، ووضعوا قيد الحجز بسبب مشاركتهم في تجمّع يعتزم الإعداد لأحداث عنف وتدمير وتخريب ستجري في بوفو».
وكان عدد من الطلاب قد أصيبوا في الأيام الأخيرة برصاص عناصر الشرطة.
من جهته، أعرب نائب الأمين للنقابة العامة لمعلمي الدرجة الثانية، اليوم، عن صدمته من المشاهد التي ظهرت في المقطع المصور. وقال في تصريحات نقلها، اليوم، موقع إذاعة «فرانس إنفو»: «لقد صدمنا للغاية... هذه الصور غير لائقة لديموقراطيتنا»، فيما علّقت رئيسة المجلس المحلي لمنطقة إيل دو فرانس، فاليري بيكريس، على المقطع، بوصف تظاهرات الطلاب بأنها «مشاهد حقيقية لحرب العصابات». وقالت: «أشعر بالصدمة إزاء العنف الذي انتشر في مدارس فرنسا الثانوية منذ أسبوع، كان لدينا مشاهدة حقيقة لحرب العصابات، سرقة سيارات وصناديق قمامة، وتهديد معلمين، لذا أعتقد أنه لا بد من أن تهدأ الأوضاع».

خطاب ماكرون الأسبوع المقبل
في هذا الوقت، قال رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية، ريشار فيران، اليوم، إن الرئيس إيمانويل ماكرون سيلقي خطاباً مطلع الأسبوع المقبل حول «أزمة السترات الصفراء»، موضحاً أنه اختار هذا الموعد لتجنّب «صبّ الزيت على النار» قبل تظاهرات يوم غد. وبينما يخيّم توتّر كبير على قصر الإليزيه، قال فيران إن «الرئيس الذي يعي السياق والوضع»، قرّر أن ينتظر قبل أن يتحدّث، كما يطالب جزء من المعارضة ومن المتظاهرين.
وكان القصر الرئاسي قد قال، مساء أول من أمس، إنه يخشى من أن تشهد تظاهرة السبت «أعمال عنف واسعة»، بعدما بادرت الحكومة بخطوة أملت في أن تكون حاسمة عبر إلغاء زيادة الضريبة على الوقود عن كامل سنة 2019.
وتحسّباً، طُلب من أصحاب متاجر جادة الشانزليزيه، إبقاءها مغلقة السبت، كما تقرّر غلق عشرات المتاحف وبرج إيفل. أما في بورودو (غرب) التي شهدت كذلك مواجهات عنيفة، فقد أعلنت البلدية إغلاق نحو عشرة مراكز عامة وثقافية.
ويوم أمس، واصل رئيس الوزراء نقاشاً في مجلس الشيوخ بدأه الأربعاء في الجمعية الوطنية دفاعاً عن التدابير المتخذة بشكل عاجل. لكن أمام عدم التجاوب، لم يكن أمام رئيس الحكومة سوى الإقرار بأنّ «الغضب لا يزال غير مفهوم وخارج السيطرة». وفي بادرة جديدة، بدا فيليب منفتحاً على إقرار تدابير لتحسين الأجور المتدنية، وهي من بين مطالب المحتجّين، على ألّا تؤثر على تنافسية الشركات.
في المقابل، بات مستبعداً البحث في إعادة فرض الضريبة على الثروة بعد أن رفضه ماكرون.
إلى ذلك، قال فيليب لقناة تلفزيون «تي أف 1» يوم أمس، «نواجه أناساً لم يأتوا إلى هنا للاحتجاج بل للتحطيم، ونودّ أن يكون لدينا الوسائل التي تكبح جماحهم».