بالإضافة إلى الحزبين الجمهوري والديموقراطي، سيكون الرئيس الأميركي أمام واقع مختلف خلال السنتين المُقبلتين. من جهة، سيعمل الديموقراطيون على اعتماد الحرب الناعمة من خلال استثمار الانتصار الناقص الذي حقّقوه (أغلبية في مجلس النواب)، من دون أن يدخلوا في مواجهات صعبة وخاسرة معه. ومن جهة أخرى، سيكافئ نفسه، بالمثابرة على تمرير أجندته، تارة بالتسوية وطوراً بالتصدّي والتحدّي.
«الأمر كله يتعلّق بعقد صفقات»، من العبارات «المأثورة» لدونالد ترامب، التي طالما ردّدها في محطّات سياسية مختلفة، وبدت الحل الأمثل بالنسبة له، في معرض ردّه، أمس، على أسئلة الصحافيين في شأن تعامله المرتقب مع «كونغرس» منقسم تمخّض عن انتخابات التجديد النصفي.
رجل الصفقات، الذي هلّل لنفسه، صباحاً، في تغريدة عبر موقع «تويتر» على أنه العامل الأول المساعد في فوز الجمهوريين في مجلس الشيوخ، أبدى مساءً رضوخاً واقعياً لفكرة أن استمرار سياساته وولايته بأقل أضرار ممكنة، قد يتطلّب منه تنازلات وتسويات، بوجود غالبية ديموقراطية تسيطر على مجلس النواب. ترامب أشار، خلال مؤتمره الصحافي، إلى إمكان التعاون في إطار إقرار قانون الرعاية الصحية والبنية التحتية. في الثانية، هو مدرك أن القواسم مشتركة مع الديموقراطيين، فيما يبقى التعارض بينه وبينهم قائماً في ما يتعلّق بالأولى، إضافة إلى غيرها من المسائل، مثل الهجرة.
مع ذلك، تبقى المعادلة واضحة: الديموقراطيون حصلوا على الغالبية في مجلس النواب، في الوقت الذي حصل فيه الجمهوريون على الغالبية في مجلس الشيوخ، ما يعطي الحزب الديموقراطي قدرة ضئيلة على القيام بالأمور وحده، بينما سيكون ترامب مضطراً إلى اجتراع حلول، ولو جزئية، لبعض المسائل، في محاولة للتقليل من تداعيات هذه الانتخابات.
وبالاستناد إلى هذه المعادلة، فقد أنتجت هذه الانتخابات وقائع عدّة، يمكن الركون إليها:
أولاً، فيما قد يلجأ ترامب إلى الأوامر التنفيذية، ربطاً بالقضايا التي لن يتمكّن فيها من جعل «الكونغرس» يتعاون معه، فقد يجد حافزاً في العمل مع الديموقراطيين، في محاولة لتجنّب سلسلة من التحقيقات المتعلّقة بالرقابة، وفق ما يرى عدد كبير من الخبراء. الرئيس، والمسؤولون في إدارته، متأكدون من أنهم سيكونون خاضعين لمجموعة من التحقيقات التي سيقودها خصومهم. وفيما وضع رؤساء اللجان الديموقراطيون، لائحة بمذكرات الاستدعاء وطلبات للحصول على وثائق، دعا الجزء الأكثر حدّة بينهم إلى العمل على عزل ترامب، الأمر الذي يبقى مرتبطاً بالخلاصات التي قد يتوصّل إليها التحقيق الذي يقوم به روبرت مولر. زعيمة الديموقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي قلّلت من هذا الاحتمال، قائلة إن «هذا ليس ما نهدف إليه». ولكن ذلك لا يعني أن الأمر سينتهي عند هذا الحد، بل يؤشّر إلى معركة سيخوضها قادة الحزب بهدف احتواء مطالب قاعدته بعزل ترامب، الأمر الذي يرون أنه سيؤدي إلى نتائج عكسية، خصوصاً أنهم لن يتمكنوا من حشد تصويت ثلثي مجلس الشيوخ اللازم لإقالته من منصبه.
قد يجد ترامب حافزاً في العمل مع الديموقراطيين في محاولة لتجنّب التحقيقات المتعلّقة بالرقابة


ثانياً، يدرك الديموقراطيون، كما الرئيس، أن الرغبة شيء والواقع شيء آخر. قد يناورون في إطار القضايا الصعبة، مثل التجارة والهجرة والضرائب، على أساس الحدّ الأدنى الذي يمكنهم تحقيقه في شأنها وهو إيصال وجهة نظرهم، وربّما يذهبون إلى أبعد ما يكون بناء على الحد الأقصى، وهو عرقلتها. ولكن تحضر في ذهن هؤلاء، كما في ذهن ترامب، الانتخابات الرئاسية لعام 2020، وقد يبدو الحل الأنسب إظهار بعض مرونة من قبلهم، قبل هذا الاستحقاق. وإن كان من دلالة على ما تقدّم، فتكمن في كلام بيلوسي، التي قالت: «لن نسعى وراء الجمهوريين بالطريقة التي سعوا فيها وراءنا»، في إشارة إلى التحقيقات التي قام بها النواب الجمهوريون ضد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، والتي ارتدّت في بعض الأحيان عليهم. «نحن لسنا هم. نحن ديموقراطيون، يعني ذلك السعي من أجل تعاون الحزبين، يعني ذلك السعي إلى الوحدة»، خلصت بيلوسي، في عبارة تؤشّر إلى الحد الذي قد يذهب فيه حزبها في إطار التسويات، من أجل تحسين صورته أمام الناخبين المتأرجحين، على أقل تقدير. بناء عليه، سيحاول الديموقراطيون الاستفادة من النصر الذي حقّقوه، لإبداء رؤيتهم ونظرتهم للأمور والقضايا، فضلاً عن اعتباره نقطة انطلاق من أجل التعامل بذكاء، لمحاولة القضاء على فرص ترامب في انتخابات عام 2020. بيلوسي وغيرها من الديموقراطيين ناقشوا، بالفعل، تمرير تشريعات تهدف إلى توسيع المراقبة والتحقّق، منها ما يتعلق بإلغاء الاقتطاعات الضريبية على الأغنياء، وتمديد العمل بـ«أوباماكير». ولكن زعيمة الديموقراطيين وغيرها من المسؤولين في الحزب يعرفون أن هذه المشاريع لن تصبح قوانين، بينما يبقى الهدف منها خلق جوّ من التناقض الحاد مع سياسات ترامب، ومنح الناخبين صورة واضحة عمّا قد يفعله الديموقراطيون في حال حصلوا على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ في الانتخابات المقبلة. وما يعزّز فرضيّتهم هذه وجود شخصية مثل ترامب، محبّة للمواجهة والتحدّي، خصوصاً إذا ما قوبلت باستفزاز من قبل خصومها.
ثالثاً، وبعيداً من ثنائية ترامب والديموقراطيين، تكشّفت الانتخابات النصفية عن عيوب لدى الحزبين على حدّ سواء. في الوقت الذي سعى فيه الديموقراطيون إلى الإطاحة بمرشحين محافظين كانوا على توافق تام مع ترامب، عزّز الجمهوريون سيطرتهم على مجلس الشيوخ، على مدى السنتين المقبلتين، وتموضعوا ضمن غالبية محافظة أكثر من السابق. بلغة أخرى، خسر الديموقراطيون على أكثر من مستوى، خصوصاً في السباقات التي جرت في ولايات مهمة بالنسبة إليهم، مثل نورث داكوتا، حيث يعني انتصار الجمهوري كيفين كرامر على الديموقراطي هايدي هيتكامب، أن واحداً من الديموقراطيين الوسطيين القلائل في مجلس الشيوخ، استُبدل بأحد أقرب الحلفاء لترامب. كذلك الأمر في إنديانا، حيث فاز مايك براون على الديموقراطي الوسطي جو دونيلي.
فضلاً عن ذلك، فشل الديموقراطيون في الإطاحة بشخصيات جمهورية كانوا ينظرون إليها على أنها «مكروهة وبغيضة»، وكانوا يعوّلون على التخلّص منها. ومن هؤلاء، السيناتور تيد كروز والنائب عن أيوا ستيف كينغ، «الذي يعيش على الترويج لرؤيته المتعلّقة بالهجرة والقومية البيضاء» على حدّ تعبير رئيس تحرير صحيفة «بوليتيكو» جون هاريس وشارلي ماهتيسيان. هذان الاثنان أشارا، في مقال، إلى أن انتصارات الجمهوريين في فلوريدا، والحصول على مقعد الحاكم في ولاية أوهايو، والخسارة بفارق بسيط للمرشّح على مقعد حاكم ولاية ويسكونسن، كلّها نتائج تُلمح إلى أن المسار الانتخابي الذي سار فيه ترامب إلى الرئاسة في عام 2016، سيبقى قائماً في عام 2020.
ولكن، مع ذلك، الجمهوريون ليسوا في أفضل أحوالهم، وقد قدمت الانتخابات النصفية أدلة على ذلك. وما توقّف عنده هاريس وماهتيسيان، في هذا المجال، هو الأقرب إلى الواقع، «في بلد تتوسّع فيه المناطق الحضرية والضواحي، بينما قاعدة الحزب في معظمها ريفية». يُنظر إلى هذه الحقيقة بالتوازي مع أخرى مفادها أن «القاعدة الانتخابية الجمهورية غالبيتها من البيض المحافظين ثقافياً، في بلد ينمو أكثر اختلاطاً وتحملاً لثقافات مختلفة».
بناء عليه، تساءل الكاتبان: هل يظن الجمهوريون فعلاً أن خسارة غالبية الناخبين ــ كما حصل في عام 2016 ــ والتمسّك بالسلطة من خلال مؤسسات مثل مجلس الشيوخ والمجمّع الانتخابي، يعدّان استراتيجية حكيمة على المدى البعيد؟ يبقى الجواب على هذا التساؤل مفتوحاً على نتائج انتخابات عام 2020. لكن ذلك لم يمنع الكاتبان من التحذير من أن الضواحي، التي شكّلت حجر الأساس للحزب الجمهوري على مدى نصف قرن، تتحوّل في شكل متزايد إلى مناطق ديموقراطية، فيما يتسارع خروجها، من تحت جناح الحزب الجمهوري.



مؤشر على تغييرات في الإدارة؟
أعلن وزير العدل الأميركي جيف سيشنز، أمس، استقالته من منصبه، موضحاً أنّه قام بهذه الخطوة بناءً على طلب الرئيس دونالد ترامب. وقال، في كتاب الاستقالة الذي أرسله إلى رئيسه: «بناءً على طلبكم أتقدّم منكم باستقالتي». من جهته، كتب ترامب في تغريدة على «تويتر»: «نشكر المدّعي العام جيف سيشنز على خدمته ونتمنّى له التوفيق!»، مشيراً إلى أنّ ماثيو ويتاكر المسؤول في الوزارة سيتولى المنصب بالإنابة في انتظار تعيين بديل دائم. وكان من المتوقّع أن يقوم ترامب بتغيير حكومي، بعد الانتخابات النصفية، وفيما ظهر أول معالم هذا التغيير باستقالة سيشنز، من المرتقب أن يتبعه مسؤولون آخرون، قد يكون من بينهم وزير الدفاع جايمس ماتيس.