اعتمدت الجمعيّة العامة للأمم المتحدة بغالبية ساحقة، يوم أمس، قراراً يدعو إلى إنهاء الحصار المالي والتجاري والاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة على كوبا منذ عام 1962. لكن القرار ذا الثقل السياسي غير مُلزم، وقد عارضته الولايات المتحدة وإسرائيل فقط من بين 191 دولة.
ماذا يعني التصويت على هذا القرار؟
صوتّت 189 دولة من ممثلي الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمصلحة القرار، في مقابل معارضة دولتين فقط، هما: الولايات المتحدة وإسرائيل. صحيفة «واشنطن بوست» وصفت التصويت شبه التام لإدانة الحصار على كوبا بـ«الصفعة للولايات المتحدة». وصادف موعد التصويت يوم أمس، الذكرى السنوية الـ27 لقرار الجمعية العامة إنهاء الحصار على كوبا، وهو قرار ذو ثقل سياسي، لكنّه غير مُلزم.
القرار ليس جديداً، إذ تقوم الجمعية العامة باعتماد قرار كهذا منذ عام 1992 بغالبية ساحقة، مع اعتراض الولايات المتحدة وإسرائيل وعدم امتناع أي عضو عن التصويت.
وفي 2016، إبّان فترة الرئيس الأميركي باراك أوباما، امتنعت واشنطن عن التصويت على القرار للمرة الأولى منذ 25 عاماً، وتبعتها في ذلك إسرائيل، إذ كانت العلاقات بين هافانا وواشنطن آخذة في التحسّن.
ويوم أمس، انتقدت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، تصفيق ممثّلي الدول الأعضاء عند إعلان نتيجة التصويت؛ وطلبت الكلام، قائلةً: «لا غالب اليوم وإنّما مغلوبون فحسب.. لقد قمنا بخيانة ميثاق الأمم المتحدة بهذا التصويت». هايلي اعتبرت في كلمتها أنّ هذا التصويت السنوي ليس سوى «مضيعة وقت للجميع». وأضافت: «إنّها فرصة إضافية للدول لكي تهاجم الولايات المتحدة... لكنّكم لا تؤثّرون على الولايات المتحدة بمواقفكم هذه. أنتم تؤثّرون على الشعب الكوبي بقولكم للنظام هناك إن طريقة تعامله مع شعبه مقبولة».

ما هي الحجة التي قدّمتها واشنطن؟
قدّمت هايلي ثمانية تعديلات تنتقد سجلّ كوبا في مجال حقوق الإنسان، على أمل مواجهة الدعوات لإنهاء الحصار عن طريق تسليط الضوء على مزاعم بحصول انتهاكات وقمع هناك.
قبل الجلسة، قالت بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة على «تويتر»: «كل عام تتقدّم كوبا بمشروع قرار يلقي بمسؤولية الفقر والقمع وغياب الحرية هناك على الولايات المتحدة». وأضافت: «غداً (الخميس) ستسمع الأمم المتحدة ما يجب علينا أن نقوله حول ذلك، وسيتعيّن على الدول التصويت بين كوبا أو الولايات المتحدة. من سيصوت معنا؟». لكنّ هذه التعديلات لم تحظَ بالتأييد الذي أمِلته واشنطن، باستثناء دعم كلّ من إسرائيل وأوكرانيا، فيما أيّدت جزر مارشال تعديلاً واحداً. من جهة أخرى، اتّهم وزير الخارجية الكوبي، برونو رودريغيز، الولايات المتحدة بالسعي إلى تشديد الحصار عبر استخدام انتهاكات حقوق الإنسان كذريعة.

ما هو موقف كوبا من التصويت؟
وصف رودريغيز إدارة دونالد ترامب بأنّها «حكومة أصحاب ملايين يفرضون سياسات حاقدة». ومن على منبر الجمعية العامة، قال: «ليس لدى الحكومة الأميركية أيّ سلطة أخلاقية لانتقاد كوبا أو أيّ كان في مجال حقوق الإنسان»، مندداً بطريقة تعامل السلطات الأميركية منذ بضعة أشهر مع الأطفال المهاجرين الذين فُصلوا عن ذويهم على الحدود مع المكسيك وأودعوا في أقفاص، بحسب تعبيره. واعتبر الوزير الكوبي أنّ الحظر الأميركي يشكّل «خرقاً منظّماً شاملاً وفاضحاً» لحقوق الإنسان في كوبا، ويحرم الجزيرة بشكل خاص من الأدوية والمعدات الطبية المصنعة في الولايات المتحدة.

ما هي جذور الحصار على كوبا؟
بدأ الحصار الأميركي على كوبا في 19 تشرين الأول/ أكتوبر 1960 بعد سنتين من قيام الثورة الكوبية، وهو يعتبر أطول حصار في التاريخ الحديث.
بعد قطعها العلاقات الدبلوماسية الثنائية، فرضت واشنطن حصاراً على صادراتها إلى كوبا ما عدا الغذاء والأدوية، بعدما أمّمت كوبا مصافي النفط الكوبية من دون تعويض. في شباط/ فبراير اللاحق، امتدّ الحصار ليشمل كل الصادرات الأميركية إلى كوبا.
منذ نهاية الحرب الباردة، واصلت الولايات المتحدة انتهاج سياسة عزل كوبا اقتصادياً وسياسياً. وفي نيسان/ أبريل أبريل عام 1992، شدّدت واشنطن عقوباتها الاقتصادية على كوبا من خلال منع مؤسسات تابعة لشركات أميركية في بلدان ثالثة من القيام بأنشطة أعمال مع هافانا وتقييد دخول أيّ سفن، زارت موانئ كوبية، إلى الموانئ الأميركية.
وتفاقمت حدّة التوتّر بعدما أسقطت كوبا طائرتين، يقودهما كوبيون مقيمون في الولايات المتحدة في شباط/ فبراير عام 1996. رداً على ذلك، سنّ البيت الأبيض قانون «هلمز ـ بورتن» في آذار/ مارس لتشديد الحصار الاقتصادي على كوبا.
وفي أيار/ مايو عام 2004، أعلن الرئيس الأميركي السابق، جورج دبليو بوش، خطة جديدة ضد كوبا ليشدّد مرة أخرى القيود المفروضة على هذه الدولة الجزيرة. الخطة نصّت على تخصيص 59 مليون دولار أميركي لتمويل أنشطة مناهضة لكوبا خلال فترة مدّتها عامان وخفض الحوالات النقدية من الأميركيين من أصل كوبي إلى النصف، وفرض حد على زيارات الأسر بين البلدين.

كيف تأثرت علاقة واشنطن بهافانا في عهد ترامب؟
في عام 2014 أعلنت الولايات المتحدة وكوبا عن بدء العمل على تطبيع العلاقات تدريجياً، وتمت استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بالإضافة إلى زيارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما لهافانا. لكن بعد تولّي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، اعتبر هذه السياسات خاطئة، مشدداً على ضرورة الحفاظ على الحصار الاقتصادي حتى إحراز «تقدم ملموس في ما يخصّ حقوق الإنسان» في كوبا.
وتراجع ترامب عن بعض الخطوات التي اتخذها أوباما لتحسين العلاقات مع كوبا، وعلى سبيل المثال قام بخفض حركة السفر والتجارة مع هافانا.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية، العام الماضي، تشديد العقوبات ضدّ كوبا، اعتباراً من 9 تشرين الثاني/ نوفمبر. وتخص العقوبات التعاملات المالية والتجارة والتعليم ومجالات أخرى.

أبرز المواقف الدولية
اتّهم سفير كوريا الشمالية، كيم سونغ، الولايات المتحدة بالسعي إلى تغيير النظام في كوبا.
وصف السفير الإيراني غلام علي خوشرو الحصار بأنّه «أكثر العقوبات الأحادية ظلماً والأطول أمداً المفروضة على بلد في تاريخنا المعاصر».
قال سفير جنوب أفريقيا، جيري ماثيوس ماتجيلا، إن التعديلات الأميركية «هي بوضوح محاولة للتستر على الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي تُفرض في ظلّ الحصار ضدّ شعب كوبا».
أعلن مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أنّ بلاده تأمل في أن تصبح العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا إيجابية بشكل كبير، وبأن «لا تتدهور».