شهدت مدينة بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا يوم أمس، هجوماً مسلّحاً على كنيسٍ يهودي أسفر عن مقتل 11 شخصاً، في حادثةٍ وُصفت بكونها «أسوأ هجوم معادٍ للسامية في تاريخ الولايات المتحدة».يأتي ذلك بعد أيام على إرسال طرود مفخّخة إلى شخصيات ديموقراطية بارزة، من بينها هيلاري كلينتون وباراك أوباما، بينما تترقّب البلاد بحذَر انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي في السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. رسائل قرأها ديموقراطيون على أنها «من أعراض الخطاب السياسي الفظ» الذي يشجّعه ترامب.
وفي تفاصيل الجريمة، اقتحم رجل يدعى روبرت باورز (46 عاماً) كنيس «شجرة الحياة» في حي سكويريل هيل وهو الوسط التاريخي لليهود في هذه المدينة، أثناء حفلٍ ديني لمناسبة ولادة الطفل، فاتحاً النار على المصلّين، وهو يصيح «يجب أن يموت كل اليهود».
الشرطة فتحت النار للقبض على باورز الذي كان يحمل بندقيّة هجومية وثلاثة مسدسات، وفق السلطات، ما أدّى إلى إصابة المهاجم بجروح في تبادل إطلاق النار وإلقاء القبض عليه ونقله إلى المستشفى.
مدير شؤون السلامة العامة في بيتسبرغ، ويندل هيسريتش، علّق على الجريمة بالقول إنّ «المشهد في الداخل بشع جداً»، مضيفاً أنها من «أسوأ مشاهد الجرائم التي كشفتُ عليها حتى الآن».

«الغزو اليهودي»
قبل الجريمة، نشر باورز عبارات معادية للسامية على الإنترنت بما في ذلك يوم أمس، كما انتقد الرئيس الأميركي لتقاعسه عن منع «غزو» اليهود للولايات المتحدة.
وكتب باورز على إحدى منصات التواصل الاجتماعي رسالة قال فيها إنّ منظمة الجمعية العبرية لمساعدة المهاجرين المعروفة اختصاراً باسم (هياس) «تحبّ جلب الغزاة إلينا وهي بذلك تقتل شعبنا. لا يمكن أن أجلس وأنا أرى شعبنا يُذبح».
وقبل نحو شهر، نشر باورز صوراً له وهو يتدرب على الرماية ومجموعة من ثلاثة مسدسات سماها «عائلة غلوك» الخاصة به، وغلوك هو اسم نوع من المسدسات.
هذه العبارات نُشرت على موقع «GAB» للتواصل الاجتماعي الذي أكّد، في بيان، أن الصفحة تخصّ باورز، قائلاً إنّه «تحرّك بشكل سريع واستباقي للاتصال بسلطات إنفاذ القانون على الفور».

عقوبة الإعدام
أعلن وزير العدل الأميركي، جيف سيشنز، أن باورز سيلاحق بتهم عدة من بينها ارتكاب جريمة معادية للسامية كما أنه يواجه عقوبة الإعدام.
ووجه مكتب وزارة العدل الفدرالية في مقاطعة غرب بنسلفانيا، في بيان، 29 تهمة بارتكاب جرائم فدرالية إلى باورز. من بين هذه التهم 11 تهمة تتعلّق بعرقلة ممارسة معتقدات دينية أدت إلى الموت، و11 تهمة تتعلّق باستخدام سلاح ناري لارتكاب جريمة قتل.
من جهته، قال المدعي العام الأميركي لمنطقة غرب بنسلفانيا، سكوت برادي، في مؤتمر صحافي، إنّ تصرفات روبرت باورز «تمثّل أسوأ ما في الإنسانية»، معلناً تكريس «كامل موارد مكتبي لهذا التحقيق الاتحادي في جرائم الكراهية».
شرٌّ محض
بعد وقوع الهجوم، أكّد الرئيس دونالد ترامب أنّه «يجب عدم إبداء أيّ تسامح إطلاقاً حيال معاداة السامية أو أيّ شكل من أشكال الكراهية الدينية»، مؤكداً أنه سيزور بيتسبرغ قريباً.
وأمر ترامب بتنكيس الأعلام الأميركية حتى 31 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري فوق البيت الأبيض والمباني العامة والمراكز العسكرية والقواعد البحرية والسفن الحربية، حداداً على الضحايا.
ترامب ندّد بما وصفه «الهجوم الشرير المعادي للساميّة»، قائلاً إنّ «معاداة السامية واضطهاد اليهود كانا من السمات الأكثر قتامة والأكثر شناعة في تاريخ البشرية».
ووصف ترامب الحادث بأنه عمل شرير من أعمال القتل الجماعي وشر محض، داعياً الأميركيين إلى التسامي فوق مشاعر الكراهية ونبذ الانقسامات، إذ إنّ معاداة السامية «تنبغي إدانتها ومواجهتها في كل مكان وأيّ مكان تظهر فيه». واعتبر أنّه في مواجهة جرائم عنصرية، سواء استهدفت هذه الجماعة أو تلك، «يجب أن نستخدم عقوبة الإعدام».
إلى ذلك، ورداً على سؤال عمّا إذا كان هناك صلة للحادث بقوانين حمل السلاح في الولايات المتحدة، قال ترامب: «لو كان لديهم نوع من الحماية داخل المعبد، ربّما اختلف الموقف كثيراً. لكن لم يكن لديهم».
من جهتها، أعلنت ابنة الرئيس، إيفانكا ترامب، أن أميركا «أقوى من أعمال رجل منحطّ وطائفي معادٍ للسامية».

الهجوم الأكثر دموية
سجلت الولايات المتحدة خلال عام 2017 زيادة في الهجمات ذات الطابع المعادي للسامية مع وقوع 1986 حادثاً بين مضايقات وأعمال تخريب وتعديات، بزيادة 57% عن عام 2016، بحسب رابطة مكافحة التشهير.
وفيما أعلنت مدن عدّة في الولايات المتحدة بينها نيويورك، يوم أمس، اتّخاذ تدابير لحماية أماكن العبادة، تجمّع العشرات من سكان بيتسبرغ على مقربة من الكنيس ليصلّوا حاملين شموعاً مضاءة.
وأعلنت «رابطة مكافحة التشهير»، وهي منظّمة غير حكومية يهودية تدافع عن الحقوق المدنية، أنّه «أكثر هجوم دموية ضدّ اليهود في تاريخ الولايات المتحدة».
وقال رئيس اتحاد بيتسرغ اليهودي: «إنني حزين. لا أدري ما أقول لكم (...) لم يكن يجدر أن يحصل هذا. لم يكن يجدر أن يحصل داخل كنيس».

نتنياهو: فُجعت وشعرت بالفزع
ندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالهجوم الذي وصفه بـ«المعادي للسامية والمروّع»، قائلاً: «قلبي انفطر وقد فُجعت وشعرت بالفزع». وأضاف: «شعب إسرائيل بأكمله يشعر بالحزن مع أسر القتلى. نقف مع المجتمع اليهودي في بيتسبرغ ونقف مع الشعب الأميركي في مواجهة الوحشية المروّعة المعادية للسامية، ونصلي جميعاً من أجل الشفاء العاجل للمصابين».
وتوجه وزير التعليم الإسرائيلي، نفتالي بينيت، إلى بتسبرغ، مؤكداً أنّه وجّه فريق عمله بالتحضير لأي مساعدات ربّما تكون مطلوبة. وقال في بيان: «دولة إسرائيل يعتصرها الألم جراء هذا القتل المروّع المعادي للسامية. أشقاؤنا اليهود وشقيقاتنا تعرّضوا لهجوم أودى بحياتهم أثناء صلاتهم. قلوبنا مع عائلات القتلى ونصلّي من أجل الشفاء العاجل للمصابين ومن أجل عدم تكرار مثل هذا الحادث».
من جهة أخرى، أدان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، «الهجوم الشنيع المعادي للسامية»، في وقت نددت فيه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بـ«الكراهية العمياء المعادية للسامية». وقالت عبر «تويتر»: «علينا جميعاً أن نقف بكلّ عزم ضد معاداة السامية، أينما كان».