في آخر خطابٍ له بشأن «حال الاتحاد»، حضّ رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، اليوم، الاتحاد الأوروبي على أن يتحول إلى «لاعب دولي» بسياسة خارجية قوية تتماشى مع قوته الاقتصادية، فيما يستعدّ لإنهاء ولايته في 31 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. ولايةٌ حفلت بأزمات غير اعتيادية، من تدفق اللاجئين، وصولاً إلى «بريكست» وتدهور العلاقة مع الحليف الأميركي.
لاعب دولي قوي
أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ الفرنسية، أعلن يونكر أنّ على أوروبا الوقوف بوجه «حرب التجارة والعملة»، في ظلّ الضغوط الأميركية على الأوروبيين، وكردّ على سياسة إدارة دونالد ترامب المبنيّة على شعار «أميركا أولاً». وتحدّث يونكر عن حاجة الاتحاد الأوروبي إلى العمل على تفعيل سياسته الخارجية، وهو ما يذكّر بما طرحه العام الماضي في خطاب «حال الاتحاد»، عندما حرّك مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد، فيديريكا موغيرني، لاقتراح تأسيس مجموعة دولية بشأن الملف السوري، لتستضيف بروكسل، منذ عام تقريباً، مؤتمراً دولياً حول «مستقبل سوريا ما بعد الصراع».
من جهةٍ ثانية، ومع وجود خلافات قوية بين بروكسل وواشنطن حول عدد من القضايا، من الرسوم التجارية إلى اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني، أكّد يونكر أن الوقت حان لتؤدي أوروبا دوراً أكثر تأثيراً على المسرح الدولي. ويبدو أن التحديات الجديدة التي طرحتها واشنطن على حلفائها الأوروبيين أثّرت بشدّة في خطط يونكر، اليوم، إذ دعا إلى ضرورة أن تصبح أوروبا «لاعباً دولياً أكبر»، فـ«نحن ندفع أموالاً في العالم، لكن يجب أن نصبح لاعبين دوليين». قبل الخطاب، أشار دبلوماسي أوروبي إلى أن يونكر يدرك أن الاتحاد يمر بأوقات «حرجة» لإعداد أوروبا لعالم أصبحت فيه الولايات المتحدة، في ظل حكم ترامب، لاعباً لا يمكن التنبؤ بسياسته الخارجية، فضلاً عن سياسته الحمائية.
كذلك، أعلن يونكر خططاً لإلغاء الحاجة إلى الإجماع على بعض مسائل السياسة الخارجية في محاولة لتبسيط العملية، إذ إن الحاجة إلى إجماع كل الدول الـ 28، تعيق قدرة الاتحاد على اتخاذ قرارات دبلوماسية قوية.

تعزيز دور اليورو
نوّه يونكر بأن الاتحاد الأوروبي عليه بذل المزيد لدفع اليورو ليكون عملةً عالمية، متسائلاً لماذا تدفع أوروبا 80 في المئة من فاتورتها للطاقة بالدولار، في وقت يأتي فيه 2 في المئة فقط من واردات الطاقة من الولايات المتحدة. كما أشار إلى أنّ تعزيز دور اليورو كعملة احتياط نقدي، سيعزّز من قوّة التكتل الدبلوماسية عبر خلق وسائل لتجاوز العقوبات الأميركية التي تختلف معها بروكسل، مثل تلك العقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران في أيار/ مايو الفائت، في ظل معارضة أوروبية.

تعزيز الحدود
دعا يونكر أيضاً إلى حشد الدعم للحفاظ على «قارة متسامحة ومنفتحة»، متابعاً، في الوقت نفسه، القول إن «المفوضية الأوروبية تقترح اليوم تعزيز الحدود الأوروبية وخفر السواحل لحماية حدودنا الخارجية بشكل أفضل، بعشرة آلاف عنصر إضافي من حرس الحدود الأوروبيين بحلول 2020».
سيشكّل هذا الهدف، إذا تحقّق، تعزيزاً مهماً للقوة الأوروبية الحالية التي تتألف من 1300 موظف وتساعد الدول الأعضاء في مراقبة حدودها. بالإضافة إلى ذلك، اقترحت المفوضية تخصيص 2,2 مليار يورو في موازنة الاتحاد للسنوات السبع المقبلة من أجل شراء وصيانة طائرات وسفن وآليات لمراقبة نقاط الدخول من أفريقيا والشرق الأوسط.
يأتي ذلك في ظلّ مواجهة الاتحاد الأوروبي ضغوطاً سياسية كبيرة للحدّ بشكل أكبر من تدفق اللاجئين على دوله، بعدما خفّض بشكل حاد أعداد الوافدين منذ عام 2015 الذي شهد قدوم أكثر من مليون لاجئ إلى أوروبا.
نتيجةً لأزمة اللاجئين، نجحت بعض التيّارات الشعبوية والقومية المشككة بالاتحاد الاوروبي، في كسب تأييد وشعبية في عدد من الدول، ومن الممكن أن تفتح الانتخابات الأوروبية في أيار/ مايو المقبل، الباب أمام هذه التيارات للتسلسل إلى الاتحاد. وتصاعد التوتر أخيراً بين أعضاء الاتحاد إثر قرارات من إيطاليا التي تقودها الآن حكومة جديدة مناهضة للهجرة، بعدم استقبال سفن الإنقاذ التي تحمل مهاجرين أفارقة.

شراكة طموحة مع لندن
قال يونكر إنه يحترم اختيار بريطانيا مغادرة الاتحاد، لكنه قوّض جزءاً رئيساً من خطة رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، للخروج من التكتل، محذّراً لندن من أنها لا يمكن أن تتوقع أن تبقى في أجزاء من السوق الموحّدة بشكل انتقائي. وتابع: «نطلب من الحكومة البريطانية أن تفهم أن الشخص الذي يترك الاتحاد، لا يمكن أن يكون في نفس الوضع المميز كدولة عضو»، إلا أنّه رحّب باقتراح ماي بشأن «شراكة طموحة جديدة» تستند إلى اتفاق تجارة حرة جديد.


«كارثة» في إدلب
حذّر يونكر من أن الوضع في محافظة إدلب السورية «يتجه نحو كارثة إنسانية»، مضيفاً أنه «لا يمكن أن نظلّ صامتين أمام هذه الكارثة الإنسانية التي من الواضح أنها ستحدث خلال وقت قصير». وأشار إلى أن الأزمة السورية أثبتت أن النظام الدولي «مستهدف على نحو متزايد»، إذ إن «تحالفات الأمس قد لا تكون تحالفات الغد».