أعلن الفاتيكان، اليوم، استقالة رئيس الأساقفة الأسترالي فيليب ويلسون، وهو أبرز رجل دين كاثوليكي في العالم يُدان بالتستّر على الاستغلال الجنسي للأطفال في الكنيسة الكاثوليكية، وذلك بعد يومين من تجريد كبير أساقفة سابق في واشنطن من منصب كاردينال لاتهامه بارتكاب انتهاكات جنسية بحقّ قصّر قبل عقود.
قضية ويلسون
في أيار/ مايو الماضي، أدين ويلسون، البالغ من العمر 67 سنة والذي ولد في أديليد (أستراليا)، بعدم البوح للشرطة بانتهاك ارتكبه قس آخر هو جيمس فليتشر، وذلك بعدما أبلغه اثنان من الضحايا بالأمر في 1976، أحدهما صبي مذبح؛ وكشف له الأخير عن الأمر في حجرة الاعتراف بالكنسية.
الفاتيكان أكّد أن البابا فرنسيس قبل استقالة ويلسون، لكنّه لم يذكر السبب، فيما كان ويلسون قد رفض في وقت سابق الاستقالة، قائلاً إنه سينتظر حتى انتهاء إجراءات الطعن في الاتهام.
من جهته، رحّب رئيس الوزراء الأسترالي، مالكولم ترنبول، الذي حثّ البابا هذا الشهر على إقالة ويلسون، بقرار الاستقالة الذي «يُقبِل متأخراً بعد المطالبات الكثيرة بما فيها مطالبتي له بالاستقالة».
الضحيتان اللتان كانتا حينها بين الحادية عشر والعاشرة من العمر، أكَّدتا أن ويلسون الذي كان مساعد كاهن حينها، لم يحرّك ساكناً بعدما أخبراه بالأمر. في عام 2004، أدين جيمس فلتشر بتسع جرائم اعتداء جنسي على أطفال، وهو قد توفي في السجن جراء سكتة قلبية عام 2016.

قضية كبير أساقفة واشنطن
تأتي استقالة ويلسون بعد يومين من إعلان الفاتيكان أن البابا جرّد ثيودور ماك غاريك، كبير الأساقفة السابق في واشنطن، من منصب الكاردينال، وأمره بالعيش في عزلة. الأخير متّهم بارتكاب انتهاكات جنسية بحق قصّر وشبان قبل عقود.
وأعلن الفاتيكان، أول من أمس، أن البابا فرنسيس قبل استقالة الكاردينال الأميركي المتّهم بالاعتداء جنسياً على مراهق قبل خمسة عقود تقريباً. وفق بيان الفاتيكان، فإن البابا «تلقَّى مساء أول من أمس الرسالة التي قدّم عبرها الكاردينال ثيودور ماك غاريك رئيس الأساقفة الفخري في واشنطن استقالته كعضو في مجلس الكرادلة». أضاف البيان أن «البابا فرنسيس وافق على الاستقالة، وأمر بتعليق ممارسة ماك غاريك أي نشاط كنَسي عام مع إلزامه البقاء في منزل سيتمّ تحديده له لاحقاً، من أجل تكريس حياته للصلاة والتوبة بانتظار أن يتم فحص الاتهامات التي سيقت ضدّه من خلال القضاء الكنسي».
قبل ذلك في حزيران/ يونيو الماضي، عُزل ماك غاريك من الأبرشية بعدما توصلت لجنة مراجعة إلى أدلّة «موثوقة» تؤكد أنّه اعتدى على قاصر خلال عمله ككاهن في نيويورك في مطلع سبعينات القرن الماضي.

خلفية القضية
كان الكاردينال تيموثي دولان، الأسقف الحالي لنيويورك، من أعلن الاتهامات الموجهة إلى ماك غاريك، مؤكداً أن وكالة جنائية خاصة «حقّقت بشكل واسع» في الادّعاءات. ووجد مجلس مراجعة ضمَّ محلّفين وخبراء في القانون وأطبّاء نفسيين وكهنة وراهبة «الادعاءات موثوقة ومثبتة»، ما دفع بالفاتيكان إلى أن يأمر ماك غاريك بوقف ممارسة خدمته الكهنوتية. في هذا الوقت، أصدر ماك غاريك بياناً تمسك فيه ببراءته، لكنه أضاف أنه «تعاون بالكامل» مع التحقيق. وقال مسؤولون رفيعون في الكنيسة إنهم تلقّوا ثلاث شكاوى تتعلّق بسوء تصرف جنسي لماك غاريك مع شبان قبل عقود، انتهت اثنتان منهما إلى تسوية.
من جهةٍ ثانية، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، أوّل من أمس، بناءً على مقابلات أجرتها، أن بعض المسؤولين في الكنيسة قد علموا لعقود بالاتهامات المطلقة بحقّ ماك غاريك، ومنها أنه كان يعمَد إلى التحرّش جنسياً برجال أرادوا دخول الكهنوت. في تحقيق للصحيفة في 16 تموز/ يوليو 2018، تفصّل «نيويورك تايمز» شهادة أحد الضحايا، وهو روبرت كيوليك، الذي تحدّث للمرّة الأولى هذا الشهر عن انتهاكات الكاردينال بحقّه. رجلٌ آخر يبلغ من العمر 60 سنة الآن، أكّد أن الكاردينال ماك غاريك الذي كان صديقاً مقرباً لعائلته، بدأ بالاعتداء عليه منذ أن كان في الحادية عشرة من العمر، وأن الانتهاكات استمرّت بحقّه لعقدين.

من هو ماك غاريك؟
ماك غاريك، البالغ من العمر 88 سنة، كان أحد الكرادلة الأميركيين الأكثر نشاطاً على الساحة الدولية، والاتهامات التي وُجِّهت إليه تجعله أحد أبرز قادة الكنيسة الكاثوليكية الذي يواجه ادعاءات ضده من هذا النوع. على رغم تقاعده رسمياً، استمر ماك غاريك بالسفر إلى الخارج بشكل منتظم، خصوصاً للعمل على قضايا خاصة بحقوق الإنسان.
رسم ماك غاريك كاهناً عام 1958وتدرّج في الرتب داخل الكنيسة في أبرشية نيويورك قبل تعيينه أسقفاً في واشنطن عام 2001 وهو منصب استمر بشغله حتى عام 2006. في الوقت الحالي، يبقى ماك غاريك كاهناً بانتظار عملية التحقيق التي يقوم بها الفاتيكان والتي قد تؤدي إلى عزله نهائياً.
تأتي هذه الاستقالات في وقت يواجه البابا فرنسيس ضغوطاً لإثبات جديته بمعاقبة الكرادلة والكهنة المتهمين بانتهاكات أو بالتستر على انتهاكات.
آخر القضايا اللافتة في الكنيسة الكاثوليكية المرتبطة بانتهاكات جنسية، حصلت في تشيلي في وقت سابق هذا العام، حيث قدّم البابا اعتذاره من ضحايا الانتهاكات الجنسية التي وقعت هناك لعقود وقام بمقابلتهم، وقبل استقالة عشرات الأساقفة.