تنفّس الأوروبيون الصعداء بعدما خيّم التوتر على أعمال اليوم الأوّل من قمّة «حلف شمال الأطلسي» في بروكسل، التي استهلّت بتوبيخ الرئيس الأميركي دونالد ترامب لألمانيا، وانتهى ببيان مشترك بيّن اتفاق الحلفاء على ضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي لمواجهة روسيا. خلص أعضاء الحلف، وفق بيان مشترك، أنه من الضروري زيادة النفقات الدفاعية ومشاركة الأعباء، وهي نقطة أساسية بالنسبة لترامب الذي طالب فيها قبل ساعات فقط من حضوره إلى بروكسل، فيما أشاد الأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسي»، ينس ستولتنبرغ، بقدرة «حلف شمال الأطلسي» على تخطي خلافاته. كذلك، اتفق أعضاء «حلف شمال الأطلسي» ومن بينهم ترامب على تقوية قدرات الحلف الدفاعية لمكافحة «التهديد الروسي»، قبل أيام من لقاء ترامب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي.
لكن، رفع الرئيس الأميركي سقف مطالباته لحلفائه الأوروبيين باقتراحه على الدول الأعضاء في «حلف شمال الأطلسي» زيادة نفقاتهم العسكرية إلى 4 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي، أي ضعف الهدف المحدد لهم وهو 2 في المئة لعام 2024 ، وفق ما أعلن البيت الأبيض.
اتفق الدول الأعضاء في الناتو على ضرورة مشاركة الأعباء المالية في ما بينهم(أ ف ب )


بدايةٌ مثيرة للجدل
«ألمانيا رهينة روسيا»، بهذه العبارة الهجومية ضدّ برلين اختار الرئيس الأميركي أن يستهلّ لقاءاته الأطلسية في قمّة «حلف شمال الأطلسي» التي بدأت اليوم، في بروكسل، وخيّمت عليها مخاوف الحلفاء من مواقف ترامب ومن لقائه المرتقب مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. بعد ساعات على تصريحه المثير للجدل، أعلن الرئيس الأميركي أن «علاقاته جيدة جداً» مع المستشارة الالمانية، وذلك خلال لقاء عقد على هامش قمة «الحلف الأطلسي»، مضيفاً أنهما بحثا التجارة والنفقات العسكرية. كذلك، عقد ترامب لقاء ثنائياً مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ووصف علاقته مع فرنسا بأنها «رائعة» وقال إن ماكرون يقوم «بعمل جيّد».
كان ترامب قد قال في معرض هجومه على أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي، إن «ألمانيا تثري روسيا»، مضيفاً خلال فطور جمعه مع الأمين العام لـ«الأطلسي»، ينس ستولتنبرغ، أن «ألمانيا خاضعة بالكامل لسيطرة روسيا. إنها تدفع مليارات الدولارات لروسيا لتأمين إمداداتها بالطاقة، وعلينا الدفاع عنها في مواجهة روسيا». وتساءل: «كيف يمكن تفسير هذا الأمر؟ هذا ليس عادلاً»، في إشارةٍ إلى مشروع السيل الشمالي 2 لتبادل الغاز الطبيعي.
عند وصولها إلى القمة، ردّت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على كلام ترامب بالقول إن ألمانيا «يمكنها اعتماد سياستها الخاصة واتخاذ قرارات مستقلة»، لكنها لم تسمِّ ترامب بشكلٍ مباشر. ميركل أكدت أن «ألمانيا تبذل الكثير لحلف الأطلسي. نحن ثاني أكبر مزوّد بالقوات، ونضع غالبية قدراتنا العسكرية في خدمة حلف شمال الأطلسي».
سبق لترامب أن ندّد مرات عدة بمشروع «نورد ستريم»، الذي سيربط مباشرة روسيا بألمانيا، وطالب بالتخلي عنه، علماً بأن هذا المشروع يثير انقساماً في صفوف الأوروبيين؛ فبولندا ترى أن أوروبا لا تحتاج إليه. وعبّر وزير خارجية بولندا جاسيك شابوتوفيتش، لدى وصوله إلى مقرّ الحلف اليوم، عن هذا الموقف بالقول إن المشروع «هو نموذج الدول الأوروبية التي تقدم أموالاً إلى روسيا، وتعطيها وسائل يمكن استخدامها ضد أمن بولندا».
لا يلغي ذلك واقع أن الأوروبيين يستوردون نصف حاجاتهم من الغاز الطبيعي حالياً من روسيا، فيما تعتمد الولايات المتحدة استراتيجية غزو أسواق لبيع غازها الطبيعي، إذ صدّرت 17,2 مليار متر مكعب عام 2017، بينها 2,2 في المئة نحو موانئ الاتحاد الأوروبي.

هجوم ترامب المستمرّ
يندرج هجوم ترامب على ألمانيا في إطار مطالبته الدائمة لأعضاء «الأطلسي» بزيادة إنفاقاتهم العسكرية وإسهاماتهم في الحلف، وهو ما زاد المخاوف من أن تتحول قمة القادة الغربيين في بروكسل إلى خلاف علني جديد، بعد قمة مجموعة السبع في كندا في حزيران/يونيو الماضي، والتي شهدت انقساماً كبيراً. ولم يخجل الرئيس الأميركي من انتقاد أعضاء «الأطلسي» الذين «لا يدفعون ما عليهم» للنفقات العسكرية. بعد قول ترامب ذلك، اعتبر ستولتنبرغ أن الرئيس الأميركي استخدم «لهجة مباشرة جداً»، لكنه أكد أن الحلفاء متفقون على الملفات الحساسة، وهي ضرورة تعزيز قدرة الحلف على المواجهة ومكافحة الإرهاب وتقاسم العبء المالي بإنصاف أكبر.
(أ ف ب )
قبيل مغادرته واشنطن، أكد ترامب مجدداً أن دولاً عدّة في الحلف «لا تفي بالتزاماتها» على صعيد الإنفاق الدفاعي، معتبراً أن قمته المرتقبة مع بوتين في هلسنكي «قد تكون الأسهل» في جولته الأوروبية، وهي تصريحات أثارت غضب الأوروبيين وقلقهم. كذلك، تعهد ترامب بعدم السماح للاتحاد الأوروبي «باستغلال» الولايات المتحدة، وهو يشير باستمرار إلى أن الاتحاد لا يقوم بما هو كافٍ لدعم «الأطلسي»، ويستفيد «بشكلٍ غير عادل» من التجارة مع الأميركيين.
قبل وصوله إلى بروكسل، كتب ترامب على «تويتر» أن «دولاً عدة في حلف شمال الأطلسي ندافع عنها، لا تكتفي بعدم الوفاء بتعهد الـ2 في المئة، لكنها تقصّر منذ أعوام في تحمّل نفقات لا تسددها. هل ستسدّد المتأخرات للولايات المتحدة؟». تعهد الحلفاء في عام 2014 بإنفاق 2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لبلدانهم على شؤون الدفاع بحلول عام 2024، لكن حوالى 15 دولة عضواً في الحلف، بينها ألمانيا وكندا وإيطاليا وبلجيكا وإسبانيا، لا يزال إنفاقها على الدفاع تحت عتبة 1,4 في المئة في 2018، وستكون غير قادرة على احترام وعدها، الأمر الذي يثير غضب ترامب.
مع ذلك، فإن ترامب ليس الرئيس الأميركي الوحيد الذي يطلب من الأوروبيين زيادة إسهاماتهم في «حلف شمال الأطلسي»، فقد سبقه إلى ذلك كلّ من الرئيسين باراك أوباما وسلفه جورج بوش. في قمة للحلف في بروكسل عام 2014، رأى أوباما أن «الدفاع المشترك يستدعي مساهمةً من الجميع، لدي مخاوف من المساهمة الدفاعية المنخفضة لبعض حلفائنا في الناتو». بدوره، وفي آخر قمة أطلسية له، دعا جورج بوش أعضاء الحلف إلى زيادة إسهاماتهم لدعم «الأطلسي»، إذ إن «أميركا ترى أنه إن استثمر الأوروبيون في دفاعهم فسيصبحون أقوى وأقدر عندما ننشر جنودنا معاً».
(أ ف ب )

في الأثناء، يثير لقاء بوتين وترامب في هلسنكي قلق الأطلسيين. عبّر الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ عن ذلك القلق اليوم بقوله إن الحلفاء يرغبون في الحصول على توضيحات حول نيّات ترامب قبل لقائه مع نظيره الروسي، معتبراً أن «من الضروري جداً أن يلتقي الرئيس ترامب فلاديمير بوتين... سيكون بوسعنا أن نناقش معه خلال القمة العلاقة بين حلف الأطلسي وروسيا. من المهم أن يبقى الحلف موحداً». ورأى ستولتنبرغ أن «كل القرارات التي ستُتّخذ خلال القمة تهدف إلى تعزيز قدرة الحلف على الردع»، متابعاً أن «الحلفاء يجب ألا يزيدوا إنفاقهم لإرضاء الولايات المتحدة، بل لأن ذلك يصبّ في مصلحتهم».
يأتي ذلك فيما تنصّ المبادرة الأميركية «4x30» للحلف على أن تتعهّد دول «حلف الأطلسي» بأن تكون قادرة بحلول عام 2030 على أن تنشر في غضون 30 يوماً 30 كتيبة آلية و30 سرب طائرات و30 سفينة مقاتلة، لتتمكن من مواجهة عملية عسكرية لروسيا التي تُعتبر مهاجماً محتملاً.


القلق من إيران
عبّر «حلف شمال الأطلسي» عن القلق من «الأنشطة المزعزعة للاستقرار» التي تقوم بها إيران في منطقة الشرق الأوسط، وعن القلق من «الاختبارات الصاروخية المكثفة» التي تجريها طهران ومن مداها ودقتها. فيما أكدوا «تضامنهم» مع التقييمات البريطانية بأن روسيا هي المسؤولة عن هجوم بغاز أعصاب في مدينة سالزبري البريطانية، وافقوا كذلك على دعوة مقدونيا للبدء في محادثات الانضمام للحلف.