عشية قمة «حلف شمال الأطلسي»، المرتقبة غداً في بروكسل، يرتفع منسوب التوتّر بين الحلفاء على شطري الأطلسي، على خلفية تصريحاتٍ إيجابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بشأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي سيلتقيه ترامب أيضاً خلال الأسبوع المقبل. في الأثناء، وصف الكرملين «الأطلسي» بأنه «ثمرة الحرب الباردة»، فيما طالب الأوروبيون ترامب باحترام حلفائه. يتخوف قادة الدول الأعضاء في «الأطلسي» من هذه القمة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في اليومين المقبلين، وهم يتوقعون أن يتعرّضوا للضغوط، وبالتالي للمضايقة من ترامب الذي يطالب بتقاسم العبء المالي للحلف. كذلك، من المقرر أن يلتقي ترامب وبوتين في 16 تموز/يوليو في هلسنكي، في قمة تثير مخاوف الأوروبيين من أن يكون هذا اللقاء الثنائي بمثابة التفاف على دور «الحلف الأطلسي». وفق دبلوماسيين كبيرين في حلف «شمال الأطلسي» لوكالة «رويترز»، فإن الحلف مستعدّ لكلّ الاحتمالات، بما في ذلك أن يعلن ترامب في أسوأ الحالات تجميد المناورات العسكرية الأميركية، أو سحب القوات من منطقة البلطيق كلفتة لبوتين.

بوتين أقرب من أوروبا
قبيل مغادرته في جولته الأوروبية، رأى ترامب اليوم أن لقاءه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في هلسنكي، قد يكون أسهل من قمة «حلف شمال الأطلسي» في بروكسل، وحتى زيارته بريطانيا. في سياق عرض برنامجه على الصحافيين في حدائق البيت الأبيض، قال ترامب معلّقاً على أول قمة ثنائية له مع بوتين: «هناك الحلف الأطلسي والمملكة المتحدة… وهناك بوتين»، مضيفاً: «بصراحة، قد يكون بوتين الأسهل بينهم جميعاً، من كان ليظن ذلك؟». كذلك، رأى ترامب أنه ليس بوسعه أن يطلق على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعبير صديق أو عدو، لكنه وصفه بالمنافس.
بدوره، انتقد الكرملين، اليوم، «حلف شمال الأطلسي»، باعتباره «ثمرة الحرب الباردة»، مشيراً إلى أنه يهدف إلى «مواجهة» مع روسيا، ومؤكداً في الوقت نفسه أنه لا يريد التدخل في قمّة الحلف في بروكسل. وفق المتحدّث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، فإن «هذه الخلافات» ليست شأناً روسياً و«علاقتنا بالحلف الأطلسي معروفة تماماً». بيسكوف أضاف أن «هذا الحلف هو ثمرة الحرب الباردة، والمواجهة في تلك الفترة. وقد تشكل من أجل المواجهة وباسمها»، ولذلك فإن «كل ما يقوم به على المدى البعيد ــ أي التقدّم نحو حدودنا وتطوير بنيته التحتية العسكرية في اتجاه حدودنا ــ يؤكد في كل مرة جوهر هذا التحالف». كذلك، أشار بيسكوف إلى أن روسيا تحافظ رغم كل شيء على «اتصالات متواضعة إلى حدّ ما» مع «الحلف الأطلسي».
في هذا السياق، يلتقي ترامب وبوتين وجهاً لوجه في العاصمة الفنلندية يوم 16 تموز/يوليو، وذلك في أول قمة تجمع بينهما، ومن المتوقع أن يناقش الطرفان قضايا عديدة، من سباق التسلح إلى القضية السورية.
وجّه رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك رسالة حازمة إلى الرئيس الأميركي دعاه فيها إلى «تقدير» حلفائه(أ ف ب )
وعلى الرغم من الحديث المتكرّر من قبل الجانبين عن الترسانة النووية، انطلاقاً من فكرة أن سباق تسلّح خطيراً وباهظ الثمن للجانبين يلوح في الأفق، إلا أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق لتقليل التصريحات الطنانة، فسيخرج بوتين وترامب فائزين، وستكون لذلك أهمية أكبر إذا ما قررا تمديد معاهدة «ستارت» الجديدة، للحدّ من الأسلحة النووية التي ينتهي العمل بها في عام 2021.
من المتوقع، أيضاً، أن يناقش الطرفان قضية تخفيف العقوبات الأميركية على موسكو، والمتعلّقة بشبه جزيرة القرم وسوريا والتدخل في الانتخابات الأميركية عام 2016.
بالإضافة إلى ذلك، قد يتطرّق ترامب وبوتين إلى قضية تقلّص الوجود الدبلوماسي الروسي في الولايات المتحدة، وحجم البعثات الدبلوماسية الأميركية في روسيا، بعد جولتين من عمليات الطرد الدبلوماسي الانتقامية في العامين الأخيرين. وكانت العملية الأولى بسبب التدخّل الروسي المزعوم في الانتخابات الأميركية، والثانية هذا العام رداً على تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته في بريطانيا. من هنا، فإن الرئيسين قد يتفقان في هلسنكي على إعادة حجم البعثتين الدبلوماسيتين إلى ما كانتا عليه من قبل، ما سيمثل رمزاً لبداية جديدة.
قد يطلب بوتين من نظيره الأميركي أيضاً تقليص حجم التدريبات العسكرية في أوروبا الشرقية والبلقان، فيما قد يطلب ترامب تنازلات من روسيا في الشرق الأوكراني، إذا ما تراجعت الولايات المتحدة عن إعطاء مساعدات عسكرية لأوكرانيا. ولكن في مقابل ذلك، لا يمكن توقّع أي تنازلات روسية بخصوص شبه جزيرة القرم.

أوروبا... أفضل من روسيا
في هذه الأثناء، وجّه رئيس الاتحاد الأوروبي، دونالد توسك، رسالة حازمة إلى الرئيس الأميركي دعاه فيها إلى «تقدير» حلفائه، عشية قمة بروكسل التي من المفترض أن يكرر ترامب خلالها مطالبته أمام الأوروبيين بزيادة إنفاقهم على الدفاع.
توسك قال، خلال مؤتمر صحافي بعد توقيع اتفاقية تعاون جديدة بين الاتحاد الأوروبي و«الأطلسي» في مقر الحلف في بروكسل: «عزيزتي أميركا، قدّري حلفاءك، فليس لك الكثير منهم في نهاية المطاف». وأضاف: «عزيزتي أوروبا، أنفقي المزيد على دفاعك، لأن الجميع يحترم حليفاً مستعداً ومجهزاً بصورة جيدة».
انتقد الكرملين «حلف شمال الأطلسي» باعتباره «ثمرة الحرب الباردة» (أ ف ب )
ومتوجهاً إلى ترامب، «الذي ينتقد أوروبا بصورة شبه يومية، منذ وقت طويل الآن»، رأى توسك أنه «ليس ولن يكون لأميركا حليف أفضل من أوروبا»، التي «تنفق اليوم على الدفاع أكثر بكثير من روسيا وبمقدار ما تنفق الصين». وقد أمل توسك «ألا يكون لدى (ترامب) أدنى شك في أنه استثمار في أمننا، وهو ما لا يمكن قوله بالثقة ذاتها عن النفقات الروسية والصينية».
وكان الأمين العام للحلف الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، قد أكد أن مسألة تقاسم النفقات ستكون من المواضيع الأساسية في قمة الأربعاء والخميس، علماً بأن ترامب يطالب الأوروبيين باستمرار بزيادة إنفاقهم على الدفاع، التزاماً بتعهداتهم برفعه إلى نسبة 2 في المئة من إجمالي ناتجهم الداخلي، بحلول عام 2024. ويركز ترامب انتقاداته بصورة خاصة على ألمانيا، القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا، والتي ترصد 1,24 في المئة من إجمالي ناتجها الداخلي لنفقاتها الدفاعية.
كذلك، أسهمت الولايات المتحدة بأقل بقليل من 72 في المئة في نفقات الحلف عام 2017، فأمّنت 686 مليار دولار من أصل مبلغ إجمالي قدره 957 مليار دولار أنفقتها الدول الأعضاء الـ29 على دفاعها.
وفي هذا السياق، ذكّر ترامب بإنفاقات بلاده الأطلسية في تغريدة صوّبت على الأوروبيين، اليوم، قبل مغادرته إلى أوروبا، قال فيها إن «الولايات المتحدة تنفق أكثر من أي دولة أخرى لحمايتهم. وهذا الأمر غير عادل بالنسبة إلى دافعي الضرائب الأميركيين. إضافة إلى ذلك، نخسر 151 مليار دولار في التجارة مع الاتحاد الأوروبي». وتابع أن «دول حلف الأطلسي يجب أن تدفع أكثر، والولايات المتحدة يجب أن تدفع أقل. هذا غير عادل إطلاقاً».
بدوره، ذكّر توسك ترامب بأن أوروبا كانت «أول من تصرّف» بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001 على الأراضي الأميركية، مضيفاً أن «الجنود الأوروبيين قاتلوا جنباً إلى جنب مع الجنود الأميركيين في أفغانستان، 870 رجلا وامرأة أوروبيين شجعاناً ضحّوا بحياتهم». وختم توسك بالقول: «السيد الرئيس، لا تنسَ ذلك غداً عندما سنجتمع في قمة الحلف الأطلسي، لكن خصوصاً عندما تلتقي الرئيس بوتين في هلسنكي. من المهم دائماً معرفة من هو صديقكم الاستراتيجي، وما هي مشكلتكم الاستراتيجية».
يأتي ذلك بعيد إشادة ترامب بـ«صديقه» وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، الذي استقال أمس بسبب خلافه مع توجهات رئيسة الوزراء تيريزا ماي بشأن «بريكست».