تحقق بريطانيا في حادثة تسمّم جديدة لرجلٍ وامرأة يبدو أنهما تعرضا لمادة سامة في منطقةٍ تقع على مقربة من موقع حادثة الجاسوس الروسي، سيرغي سكريبال، وابنته يوليا، التي وقعت في آذار/مارس الماضي في سالزبري في بريطانيا. فيما لا تزال الضحيتان الجديدتان دون ستورغيس (44 عاماً) وتشارلي رولي (45 عاماً) ترقدان في المستشفى، سارعت بريطانيا إلى مطالبة روسيا بـ«تصويب الخطأ»، وربطت الحادثة أيضاً بالتسمم بغاز الأعصاب نوفيتشوك، الذي تقول بريطانيا إنه استهدف سكريبال.
أبرز التساؤلات الحالية هي بشأن مصدر التسمّم وسبب عدم إجراء التحاليل على الزوجين قبل يوم الاثنين، أي بعد يومين على ظهور العوارض عليهما. لا يزال الزوجان في حال حرجة في مستشفى سالزبري، وهو المستشفى نفسه حيث خضع سيرغي سكريبال، الضابط السابق في الاستخبارات الروسية والعميل المزدوج لبريطانيا خلال التسعينات، للعلاج.

تحقيقان غير مرتبطين
حالياً، تتولى شرطة مكافحة الإرهاب التحقيق في الحادثة، لكن بريطانيا سارعت إلى إبلاغ منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالواقعة الأخيرة التي بدأت مع إصابة الرجل والمرأة بالإعياء يوم السبت، وكان الاعتقاد السائد في البداية أنهما تعاطيا جرعة زائدة من الهيرويين أو الكوكايين، لكن فحوصاً أجراها مركز «بورتن داون» العسكري للأبحاث، أظهرت أنهما تعرضا لمادة نوفيتشوك، وفق السلطات البريطانية.
لم تنتهِ التحقيقات بعد، وليس واضحاً حتى الآن كيف تعرض الرجل والمرأة للسم الذي تتفكك عناصره ببطء، كذلك لا يوجد في تاريخهما ما يشير إلى أي علاقه بعالم الجاسوسية أو بالاتحاد السوفياتي السابق. وفق وزير الأمن البريطاني، بن والاس، فالشرطة تعمل على أساس «فرضية أنهما ضحيتان، إما لتبعات الهجوم السابق، أو لشيء آخر، ولكن ليس على اعتبار أنهما استُهدفا مباشرة».
بدورها، أكدت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، اليوم، أن الشرطة «ستبذل كل ما في وسعها» لتوضيح حالات التسمم الجديدة بقولها إن «تعرض شخصين جديدين لمادة نوفيتشوك في بريطانيا أمر مقلق للغاية، وأعرف أن الشرطة ستبذل كل ما في وسعها في تحقيقاتها لتحديد ما حصل».
مع ذلك، أكد رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية، نيل باسو، أن الشرطة ما زالت تنظر في احتمال أن يكون التحقيقان مترابطين، مضيفاً أن «أولوية فريق التحقيق الآن هي تحديد كيفية تعرض الزوجين لغاز الأعصاب هذا». أوضح باسو أن ليس لدى السلطات «أي فكرة بشأن محتوى غاز الأعصاب هذه المرة»، وحضّ السكّان على عدم لمس أي شيء لا يعرفون ما هو، متابعاً بأنه «لا يوجد دليل على أن الرجل والمرأة كانا مستهدفين».
رغم عدم ترابط الحادثتين، طالب والاس روسيا بتقديم تفاصيل بشأن ما تفترض بريطانيا أنه هجوم بغاز الأعصاب نوفيتشوك، وطالب الدولة الروسية بـ «تصويب هذا الخطأ وإخبارنا بما حدث وما فعلوه وملء بعض الفجوات الكبيرة التي نحاول سدها»، مضيفاً أنه ينتظر «مكالمة هاتفية من الدولة الروسية».
تتولى شرطة مكافحة الإرهاب التحقيق في الحادثة(أ ف ب )

الكرملين: بريطانيا ترفض المساعدة
أعلن الكرملين اليوم أنه لم يحصل على معلومات من السلطات البريطانية عن الحادث الجديد، وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن السلطات الروسية لا تملك «معلومات عن المواد المستخدمة وكيف استُخدمت». أضاف أنّ «من الصعب فهم ما يحصل من تقارير وسائل الإعلام»، متابعاً بأن القضية «مقلقة جداً». أضاف أن بريطانيا لم تُبدِ اهتماماً بإجراء تحقيق مشترك بعد واقعة سالزبري في آذار، موضحاً أن روسيا اقترحت منذ البداية «إجراء تحقيق مشترك مع الجانب البريطاني، ولا يزال هذا المقترح دون جواب». كذلك، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن فلاديمير شامانوف رئيس لجنة الدفاع في البرلمان قوله إن على بريطانيا طلب المساعدة من الخبراء الروس في التحقيق بشأن واقعة التسمم. دعت الخارجية الروسية بدورها الشرطة البريطانية إلى عدم التورط في «ألاعيب سياسية قذرة» و«التعاون» مع روسيا، مضيفةً أن «حكومة تيريزا ماي وممثليها سيتعين عليهم الاعتذار عن كل ما صدر منهم أمام روسيا وأيضاً أمام الأسرة الدولية، لكن ذلك سيحصل لاحقاً».

«تفاهات» بريطانيا
في آذار/مارس، سبّبت واقعة تسمم الجاسوس الروسي السابق، سيرغي سكريبال، وابنته يوليا، أزمة دبلوماسية بين روسيا وعدد من الدول الغربية مع اتهام لندن لموسكو بأنها خلف الهجوم المفترض.
حينها، علّقت لندن الاتصالات الدبلوماسية الرفيعة المستوى مع موسكو، وقالت إن أفراد الأسرة المالكة لن يتوجهوا لحضور نهائيات كأس العالم 2018 في روسيا، قبل أن توجه كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة أصابع الاتهام إلى روسيا، في بيان مشترك نادر.
مع إعلان لندن طرد 23 دبلوماسياً روسياً، قامت موسكو بردٍّ مضاد بطرد 23 دبلوماسياً بريطانياً، وأوقفت أنشطة المركز الثقافي البريطاني، فيما ندد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالاتهامات البريطانية ووصفها «بالتفاهات».
لاحقاً، أعلن عدد من حلفاء بريطانيا طرد دبلوماسيين روسيين في إجراءات منسقة، من بينهم واشنطن التي طردت 60 دبلوماسياً روسياً من القنصلية الروسية في سياتل، لتردّ موسكو بإجراءات مماثلة.
في نيسان الماضي، وفيما لم يكن قد قُدِّمَت بعد أي دلائل على دور موسكو في الهجوم المفترض، بدأت عملية تطهير مواقع ملوثة في سالزبري بمشاركة 190 من الخبراء العسكريين، بعدما بدأت صحة سكريبال بالتحسن وخرجت ابنته من المستشفى.