يوم أمس، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنّ الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وافق على طلبه زيادة إنتاج النفط. وقال في تغريدة عبر موقع «تويتر»: «تحدثت للتو إلى الملك السعودي سلمان، وشرحت له أنه بسبب الاضطرابات والخلل في إيران وفنزويلا، أطلب أن تزيد السعودية إنتاج النفط، ربما حتى مليوني برميل (يومياً) للتعويض». وأضاف: «الأسعار مرتفعة للغاية! وقد وافق».لكن بمرور ساعات قليلة، بدا كأن ترامب يعبّر عن أمنيات أكثر ممّا هي وقائع. لم يكد يدلي بتغريدته، حتى نشر كل من البيت الأبيض ووكالة الأنباء السعودية «واس» بيانين منفصلين، استفاد منهما الإعلام والمراقبون للتشكيك في ما أُعلن.
أفاد بيان وكالة الأنباء السعودية بأن الملك سلمان وترامب أكدا، خلال اتصال جرى بينهما، «ضرورة بذل الجهود للمحافظة على استقرار أسواق النفط ونمو الاقتصاد العالمي، والمساعي التي تقوم بها الدول المنتجة لتعويض أي نقص محتمل في الإمدادات». لكن البيان لم يأتِ على ذكر أي تفاصيل إضافية أو أرقام.
أما بيان البيت الأبيض، فقد أعلن، بعد وقت قصير على تغريدة ترامب، أن سلمان أبلغ الرئيس الأميركي أن المملكة تملك القدرة على إنتاج مليوني برميل إضافي من النفط يومياً، لاستخدامها «بحذر» في حال الضرورة لضمان توازن الأسواق. وقال: «رداً على طلب الرئيس (ترامب) بشأن العجز في سوق النفط، أكد الملك سلمان أن المملكة تُبقي مليوني برميل يومياً من القدرة الاحتياطية لاستخدامها بحذر، في حال الضرورة لضمان توازن السوق واستقرارها، وبالتنسيق مع شركائها المنتجين، لمواجهة أي احتمال». وهو ما بدا كلاماً أكثر تحفظاً من تصريحات ترامب.
وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن السعودية كانت قد انضمت، في اجتماع لـ«أوبك» الأسبوع الماضي، مع غيرها من الأعضاء، إلى الموافقة على التزام تخفيضات الإنتاج التي اتُّفق عليها في بداية عام 2017. وقد أعلن وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، يومها، أن ذلك يعني إضافة نحو مليون برميل في اليوم إلى السوق.

زيادة الإنتاج مقابل الحماية؟
اتهم ترامب منظمة «أوبك» بالتلاعب في أسعار النفط العالمية، مكرراً في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز»، بثّت اليوم، أنّ الولايات المتحدة توفّر الحماية لعدد من الدول الأعضاء فيها، وذكّر بأنّ «علاقة جيدة» تجمعه بالملك السعودي وولي عهدة محمد بن سلمان، لذا «يجب عليهم زيادرة إنتاج النفط».
وطالب ترامب السعودية خصوصاً والدول الأخرى، بزيادة إنتاجها من النفط لتعويض أيّ نقص محتمل بعد انسحاب إدارته من الاتفاق النووي. وقال، في هذا الإطار، إنّ أعضاء «أوبك» اتّفقوا الأسبوع الماضي على زيادة الإنتاج «بأقل ممّا رغبنا... وعليهم زيادة إنتاجهم بواقع مليوني برميل». وأضاف أنه «ينبغي عدم نسيان أن من سلبيات خروج أميركا من الاتفاق النووي مع إيران خسارة الكثير من النفط، وعلى دول أوبك تعويض النقص... إيران عدوة للعديد من دول أوبك... وبالتالي يجب عليهم زيادة إنتاج النفط!».
وفي حزيران/ يونيو الماضي، أفادت تقارير إعلامية بأنّ الكونغرس الأميركي يعتزم مناقشة مشروع قانون من شأنه وضع ضغوط على «أوبك»؛ حيث يسمح للولايات المتحدة بمقاضاة المنظمة بتهمة «التلاعب في أسعار الخام وسوق النفط العالمية».

ضغوط ترامب
ترامب مارس، في الأشهر الأخيرة، ضغوطاً على السعوديين وعلى منظمة «أوبك» من أجل زيادة الإنتاج، وذلك من خلال تغريداته ورسائل أخرى، وفقاً لما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية. وإن كان الهدف من ذلك انخفاض أسعار النفط بما يفيد الأميركيين بنحو خاص، ويساهم في الحفاظ على أسعار النفط الصخري، إلا أنه في الأسابيع الأخيرة، كانت الإدارة الأميركية تربط الموضوع بإيران، مشيرة إلى أنها تريد سحب جزء كبير من صادرات إيران من السوق، ما يعني إقناع السعودية بتعويض النقص، وهو ما كانت قد لمّحت المملكة إلى استعدادها للقيام به، حينما أعلن الرئيس الأميركي انسحابه من الاتفاق النووي.
وفي السياق، ساعد الضغط المُمارس من قبل ترامب في حثّ السعودية وروسيا وغيرهما من المنتجين، على الموافقة تدريجاً على زيادة الإمدادات بنحو مليون برميل في اليوم، في الاجتماعات التي جرت في فيينا في 22 و23 حزيران/ يونيو. «سنقوم بكل ما هو ضروري من أجل إبقاء التوازن في الأسواق»، قال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، في نهاية الاجتماع بوجود نظيره الروسي ألكسندر نوفاك إلى جانبه. ومنذ ذلك الوقت، صعّدت إدارة ترامب من رهاناتها بخصوص التشديد على إغلاق الإنتاج الإيراني.


تمنٍّ نظري... وصعوبات عملية؟
يعتقد معظم المحلّلين بأن إنتاج هذه الكمية من النفط بهذه السرعة سيشكل تحدياً للسعوديين. وفيما تشير المملكة إلى أنها تملك مليوني برميل في اليوم بقدرة احتياطية، يشكك الخبراء في أن بإمكانها أن تضيف، بسهولة وبصورة مستدامة، أكثر من 700 ألف برميل من الإنتاج يومياً، من دون حفر وأعمال أخرى تستغرق وقتاً.
في غضون ذلك، عكفت الصحف الغربية والمراقبون والمختصّون بالشأن النفطي، على دحض كلام ترامب. ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين في قطاع النفط قولهم إنّ من المشكوك فيه أن تتمكن المملكة من رفع إنتاجها بالقدر الذي اقترحه. وقال مسؤول نفطي سعودي بارز للصحيفة إن «هذا الأمر ببساطة غير ممكن».
من جهتها، أشارت وكالة «بلومبرغ» إلى ما بدا كأنه تراجع من قبل إدارة ترامب عن التأكيد الذي أدلى به، في وقت سابق من يوم أمس، والذي أشار فيه إلى أنه أقنع السعودية بزيادة إنتاج النفط بفعالية إلى سعتها القصوى. وفيما ذكرت أنه لن يكون سهلاً أمام المملكة القيام بما طلبه، نقلت تصريح وزير النفط الإيراني بيجن زنغنة، الذي أكد أن «أي زيادة في إنتاج النفط فوق الحدود المتفق عليها من قبل أوبك يمكن أن تشكل خرقاً للاتفاق». وفي رسالة بعث بها إلى رئيس «أوبك» سهيل المزروعي، شدّد زنغنة على أنه يجب «على أوبك أن ترفض الدعوة الأميركية لزيادة الإنتاج، التي يجري تحريكها سياسياً ضد إيران».
مارس ترامب في الأشهر الأخيرة ضغوطاً على السعوديين ومنظمة «أوبك» لزيادة الإنتاج(أ ف ب )

يأتي ذلك فيما أكد ممثل إيران لدى منظمة «أوبك» حسين أردبيلي، أنه «إذا وافقت السعودية على طلب ترامب، فإن ذلك يعني أنه يدعوهم إلى الخروج من أوبك».
«إذا ما وافقت السعودية على طلب ترامب، فإنها بذلك ستعمل على تمديد طاقة الإنتاج الاحتياطية إلى الحد الأقصى، ما يعني أن أي انقطاع في الإمدادات يمكن أن يكون له تأثير كبير في أسعار النفط»، وفق تعبير وكالة «بلومبرغ»، التي أشارت إلى أنه «في الوقت الذي تملك فيه السعودية القدرة نظرياً، إلا أن هذا الأمر يتطلّب وقتاً لضخّ هذه البراميل على خطوط الإمداد، أي نحو عام»، وذلك نقلاً عن أمريتا سن، وهو خبير في مجال الطاقة.
من جهة أخرى، أشارت الوكالة إلى أن السعودية لديها القدرة على ضخّ 12.04 مليون برميل كحد أقصى في اليوم، وذلك بحسب ما كانت قد أفادت به وكالة الطاقة الدولية. وقد ضخّت المملكة أكثر بقليل من عشرة ملايين برميل يومياً في أيار/ مايو. ولكن مع ذلك، يعتقد خبراء النفط أنه يمكن المملكة أن تنتج أكثر من 12 مليون برميل في اليوم «في حالة طوارئ، من خلال ما يسمى الزيادة المفاجئة، والتي يجري فيها استنفاد حقول النفط بما يفوق ما يعتبره المهندسون معدلاً عقلانياً».
«يمكن السعودية أن تستخدم جزءاً من مخزونها من أجل زيادة التصدير، ولكن قد تأخذ وقتاً من أجل زيادة القدرات التشغيلية»، قال أوليفر جاكوب، رئيس إحدى المؤسسات الاستشارية في مجال النفط.