لا تعوّل الصحف الغربية كثيراً على القمة المنعقدة في سنغافورة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. مع اعتراف جميعها بـ«تاريخية» القمة التي اتجهت أنظار العالم إليها، اعتبر بعض هذه الصحف أن المناسبة تجسّد رغبة ترامب في البحث عن «إتمام صفقة» بأيّ ثمن بغية تحقيق مكسب دعائي، أكثر من كونها مساراً دبلوماسياً جدياً، فيما رأى البعض الآخر أنه في جميع الأحوال تظلّ المحادثات أفضل من عدمها، وأنها «قد تجعل العالم مكاناً أكثر أمناً».
ترامب تجاهل «حقوق الإنسان»
لامت الصحف الأميركية دونالد ترامب على «تجاهل ملف حقوق الإنسان» في محادثاته مع الزعيم الشيوعي. صحيفة «واشنطن بوست» قالت إن كيم «يُعتبر أحد أكبر منتهكي حقوق الإنسان في العالم، وجامعاً شمولياً للأسلحة النووية»، منتقدةً أن ترامب بالرغم من ذلك أعلن اليوم أنه «يتشرّف» بلقائه. الصحيفة الأميركية قارنت بين ما جرى في كندا قبل ثلاثة أيام، «حين كان ترامب يجلس بصرامة، مكتّف اليدين وساكن الوجه (في إشارة إلى الصورة الشهيرة في قمة الدول السبع)، في وقتٍ كان فيه الحلفاء الغربيون الأقدم للولايات المتحدة ينادونه ألا يكسر النظام العالمي القائم، (ويستبدله) بسياسات تجارية ثأرية»، وبين المشهد في سنغافورة اليوم. وشبّهت «واشنطن بوست» مقاربته لهذه المحادثات بمقاربته لصفقاته العقارية «حين كان يعمل كمتعهّد في مانهاتن»، مشيرةً إلى أن ترامب «رفض أن يواجه مباشرةً حقيقة أن كيم يشرف على دولة بوليسية، يجوّع المواطنين، ويغتال خصومه... بهدف إتمام هذه الصفقة».
على المنوال ذاته، وجهت «نيويورك تايمز» في مقال اتهامات مماثلة للزعيم الكوري الشمالي «الذي يجعل بلاده من أسوأ منتهكي حقوق الإنسان في العالم»، مذكرةً بتقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2014 بشأن الدولة الآسيوية. التقرير المذكور تضمَّن اتهامات لنظام كيم بـ«إبادة متوارثة، قتل، استعباد، تعذيب، اعتقال، اغتصاب، إجهاض بالقوة، عنف جنسي» وغيرها، فيما أشار التقرير في حينه إلى أن كوريا الشمالية «تعتبر نشر معظم الأديان خطراً، فيما تصنّف المسيحية كخطر جدّي بشكل خاص»، لكونها تقدّم منصّة للتنظيم الاجتماعي والسياسي وللعمل خارج إطار الدولة.
غلاف عدد اليوم من صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية بعنوان «تاريخية» - «هستيرية»، اختر الإجابة الصحيحة

قد يتعرض ترامب لـ«الخداع»
من جهتها، توقعت مجلة «فورين بوليسي» سيناريوين لقمة اليوم: إمّا أن تنطلق محادثات فعلية بين الدولتين، وإما أن يقوم كيم بـ«خداع ترامب». في الحالة الأولى، رأت المجلة أن أفضل نتيجة ينجزها ترامب، هي التوصل إلى اتفاق مع كيم على أن الهدف النهائي لهذا المسار هو الإنهاء التام لوجود الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكوية (والمتحقق منه)، بالتزامن مع تطبيع دبلوماسي وسياسي بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. واعتبرت «فورين بوليسي» أنه بهدف إنجاز هذه «المجموعة الطموحة من الأهداف» في مدى زمني واقعي، على الزعيمين «تبنّي بيان مشترك واضح ومفصل يقود عمل فريق من المفاوضين لمتابعة هذين المسارين بالتوازي».
أما السيناريو الثاني، وهو الأسوأ بحسب المجلة، فهو أن يتم الإخفاق في الدفع باتجاه نزع السلاح النووي، ما سيعطي كيم انتصاراً دعائياً كبيراً مقابل القليل من التضحيات الحقيقية من جانبه.
ولفتت المجلة إلى أن ترامب يزعم أنه أتقن فنّ الصفقات، لكنّه بدا متحمساً جداً للقمة على الرغم من أن كيم كسب في السنوات الماضية أرضية كبيرة على حساب الولايات المتحدة في شرق آسيا، في إشارةٍ إلى خطأ ترامب في الحسابات مقابل تحقيق مكسب دعائي.
باتريك شابايت - «نيويورك تايمز»

محادثات مع كيم أفضل من عزله
من جهة أخرى، قالت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية، إن رؤية محادثات على مستوى عالٍ مع زعيم عالمي ميّال للقتال، غير واضح، يمتلك سلاحاً نووياً، «تظلّ أفضل من الاحتمالات البديلة»، متسائلةً «ما الجيّد الذي يمكن أن يأتي من عزل رجل متهوّر يعاني من أوهام العظمة؟». في الاتجاه نفسه، اعتبرت «ذي اندبندنت» البريطانية، أن الأمر المشجع في قمة سنغافورة هو أنّها تمثّل محاولة جدّية على ما يبدو من قبل الزعيمين «لجعل العالم مكاناً أكثر أمناً».
إلى ذلك، أشارت صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية إلى أن الجوّ في القمة بدا ودّياً، لا بل دافئاً بين الزعيمين. لكن الصحيفة أشارت في الوقت نفسه إلى حرص كيم على الجانب الأمني، إذ إنه استبدل القلم المعدّ لتوقيع الاتفاق مع ترامب، بآخر تناوله من شقيقته، ذات التأثير الكبير عليه.