يبدو أن الرئيس الأميركي بدّل مزاجه إزاء «اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ»، معلناً أنّه (قد) ينضمّ إلى الاتفاق مجدداً، إذا نجح في الحصول على بنودٍ تراعي مصالح واشنطن بصورةٍ «أفضل». التبدّل في الموقف يأتي بعد أكثر من عامٍ على انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق، عقب تولّيه الرئاسة بداية السنة الماضية.القرار بإعادة النظر في الانسحاب من الاتفاق، يشكّل في حدّ ذاته انقلاباً جذرياً بالنسبة إلى الرئيس الذي لطالما انتقد الاتفاقات التجارية متعدّدة الأطراف، وجعل من معارضته تلك الاتفاقات «غير العادلة» حجر الزاوية في برنامجه الاقتصادي خلال حملته الانتخابية. تأتي هذه الخطوة، بعدما واجهت إدارة ترامب معارضةً شديدة من المشرّعين الأميركيين، خصوصاً أولئك الذين يمثّلون الولايات الزراعية، فضلاً عن الشركات المتضررة جراء الحواجز التجارية.

لماذا الاتفاق؟
وقّعت إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، على الاتفاق الذي بات يعرف باسم «الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ». ويضمّ إلى الولايات المتحدة، 11 دولة أخرى، ويهدف إلى خفض الحواجز التجارية في بعضٍ من أسرع الاقتصادات نمواً في منطقة آسيا - الهادئ، للوقوف في وجه نفوذ الصين المتنامي. ما بين التوقيع على الاتفاق (شباط/ فبراير 2016) والانسحاب منه (كانون الثاني/ يناير 2017)، أقلّ من عام. وكانت إدارة أوباما بذلت جهوداً كبيرة لتوقيع الاتفاق بعد سنوات من التفاوض (بدأ في 2008) بين البلدان المعنية الإثني عشر. ولكن قبل دخوله حيّز التنفيذ، أعلن ترامب انسحاب بلاده منه، مهدداً الاتفاق الطموح الذي كان يفترض أن يشمل دولاً تمثل 40 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي العالمي، وحوالى 25 في المئة من التجارة العالمية.

العودة بـ«شروطنا»!
خلال اجتماع في البيت الأبيض، يوم أمس، توجّه السيناتور الجمهوري، جون ثون (عن ولاية كارولينا الجنوبية)، لترامب بالنُصح، معتبراً أن العودة إلى اتفاقية الشراكة ضرورية، لأنها الطريقة الأفضل لممارسة الضغط على الصين.
سارع ترامب إلى تكليف أحد مستشاريه الاقتصاديين وممثله التجاري استئناف المباحثات «ولكن بشروطنا»، وفق ما أفاد به السيناتور الجمهوري بن ساس. وقال ساس للصحافيين، إنّ الرئيس كلّف المستشار الاقتصادي لاري كودلو، وممثل التجارة روبرت لايتهايزر، بدراسة موقف واشنطن، وكيف يمكن العودة مجدداً إلى مفاوضات الشراكة عبر الهادئ. لكن «واشنطن بوست» نقلت عن مسؤول في الإدارة الأميركية قوله، إن ترامب لم يعطِ سقفاً زمنياً لمستشاريه المكلفين التوصل إلى صيغة «أفضل».
وبعدما اعتبر في حملته الانتخابية في 2016، أنّ «الشراكة عبر الهادئ كارثة أخرى وهي مدفوعة بالمصالح الخاصة التي تريد اغتصاب بلدنا، إنه مجرد اغتصاب مستمر لبلدنا»، كتب ترامب في تغريدة «سننضمّ إلى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، إذا كان الاتفاق أفضل إلى حد كبير مقارنة مع ما عُرض على الرئيس (باراك) أوباما». وأضاف «لدينا اتفاقات ثنائية مع ست من الدول الإحدى عشرة في الشراكة، ونعمل لأجل التوصل إلى اتفاق مع اليابان، كبرى هذه الدول، التي سبّبت لنا الكثير من الأذى على المستوى التجاري على مدى سنوات». وردّت طوكيو، معتبرةً أنّ إعادة التفاوض حول الاتفاق «غاية في الصعوبة»، خصوصاً أنَّ الدول الـ 11 (أستراليا وبروناي وكندا وتشيلي واليابان وماليزيا والمكسيك ونيوزيلندا والبيرو وسنغافورة وفيتنام) توصّلت إلى اتفاق خاص بها بعد انسحاب الولايات المتحدة.
في هذا السياق، قال المتحدث باسم الحكومة اليابانية، يوشيهيدي سوغا، للصحافيين في طوكيو: «هذا اتفاق يشبه منحوتة من الزجاج. سيكون غاية في الصعوبة إعادة التفاوض حول بعض الأجزاء». وأضاف «يسرّنا أن نرحّب بمبادرة الرئيس (الأميركي) إن كانت تعني أنه يعترف بنطاق وأهمية» الاتفاق، مشيراً إلى انتظار مزيد من التوضيح حول النوايا الأميركية.


مفاوضات مع الصين؟
ربّما دفع ترامب إلى تليين موقفه، التوتّر الكبير في العلاقات التجارية الصينية - الأميركية، والناجم عن فرض واشنطن رسوماً جمركية إضافية على الواردات الصينية، لا سيما الصلب والألومنيوم، وردّت الصين بفرض رسوم على واردات أميركية مثل الصويا. إلا أنّ الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية الدولية أنخيل غوريا، قال اليوم، إنّ الصين والولايات المتحدة تتفاوضان في الكواليس لحلّ خلافهما التجاري، مشيراً إلى أن الحرب التجارية ليس فيها منتصرون. وفي حين نفت بكين خوض مفاوضات في الوقت الراهن مع واشنطن، قال غوريا إنّ مسؤولين صينيين أخبروه هذا الأسبوع أنّ هناك مفاوضات جارية. وقال، خلال مؤتمر صحافي في طوكيو، «الجميع قلق من هذه الإعلانات (عن حواجز جمركية جديدة) ولكن في الوقت نفسه إنّهم يتحدثون. يبدو أن سلسلة من المحادثات جارية».


«لا ينبغي إنعاشه»
رحّب المشرّعون الأميركيون الذين يمثّلون الولايات الزراعية، بموقف ترامب الجديد. لكن مستشاريه التجاريين الأكثر تشدداً الذين يهيمنون على إدارته، يفضّلون التفاوض على اتفاقات ثنائية يقولون إنها تراعي مصالح الولايات المتحدة بصورة أفضل.
وفي رده على موقف ترامب الجديد، قال ريتشارد ترومكا، رئيس النقابة المركزية الأميركية «اي اف ال - سي آي او» إنه «تم إعلان وفاة اتفاق الشراكة لأنه كان فاشلاً بالنسبة إلى العمال الأميركيين ولا ينبغي إنعاشه. ما من وسيلة لنفخ الحياة فيه من دون خيانة الشعب العامل». وعلّق لوي والاتش من منظمة «بابليك سيتيزن» الأميركية غير الحكومية، بالقول: «نظراً للدور المركزي لمعارضة اتفاق الشراكة عبر الهادئ في انتخاب ترامب الذي سوَّق على نطاق واسع لفكرة الانسحاب من هذا الاتفاق، فإن هذا التراجع قد يوجه رسالة بأن ترامب ليس جديراً بأي قدر من الثقة». وقال أشيش كومار من «المجلس الأطلسي»، إنّ «معاداة ترامب للعولمة اصطدمت بالواقع: لا أحد يريد اتفاقات تجارية ثنائية مع الولايات المتحدة، وترامب ليست لديه خطة بديلة».