يقوم وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، بزيارة رسمية لفرنسا، في 9 و10 نيسان، بهدف البحث في «شراكة استراتيجية فرنسية سعودية جديدة»، وفق ما أعلنت الرئاسة الفرنسية، اليوم، فيما تواجه مبيعات الأسلحة الفرنسية للسعودية، المتهمة بارتكاب جرائم حرب في اليمن، انتقادات متزايدة من منظمات غير حكومية والرأي العام ونوّاب، على الرغم من محاولات باريس لتخفيف التوتر على الأرض.سيبحث الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ووليّ العهد السعودي «الأزمات الإقليمية والاستقرار في المنطقة ومكافحة الإرهاب»، وفق بيان الإيليزيه الذي أضاف أن فرنسا تأمل «حصول تعاون جديد يتمحور بنحو أقل حول عقود آنية، وبنحو أكبر حول استثمارات للمستقبل، ولا سيما في المجال الرقمي والطاقة المتجددة، مع قيام رؤية مشتركة».
ورداً على سؤال عن زيارة الأمير السعودي المُقتضبة لفرنسا، بعد زيارته الولايات المتحدة التي استمرت ثلاثة أسابيع، رحبّ الإليزيه بإدراج فرنسا ضمن أولى الزيارات الخارجية لولي العهد السعودي.
كذلك، أشار الإيليزيه إلى أن ابن سلمان سيقوم «بزيارة خاصة في فرنسا»، قبل أن يبدأ الاثنين زيارته الرسمية، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل، إضافةً إلى أنه سيزور محطة «ستاسيون أف»، وهي حاضنة ضخمة لمشاريع الأعمال في جنوب فرنسا.
في المقابل، قال مصدر قريب من الوفد السعودي إن ابن سلمان «سيقوم بزيارة رسمية الاثنين والثلاثاء ستتناول محادثاته فيها، خصوصاً شؤون الثقافة والسياحة والاستثمار والتكنولوجيا الحديثة»، فيما استبعد الإليزيه أن يتخلّل الزيارة توقيع عقود، وشدّد على «رؤية جديدة» للتعاون مع السعودية.

اليمن أوّلاً
يأتي ذلك فيما طلبت عشر منظمات غير حكومية للعمل الإنساني والدفاع عن حقوق الإنسان، أمس، من الرئيس الفرنسي «وضع اليمن في صلب محادثاته مع محمد بن سلمان»، مطالبةً «بوقف عمليات القصف التي تستهدف مدنيين»، و«برفع كل العراقيل أمام إيصال المساعدة الإنسانية والسلع التجارية إلى اليمن».
وفق مديرة الفرع الفرنسي لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، بينيديكت جينرود، فإن «الرياض تقود تحالفاً قتل وجرح آلاف المدنيين»، مشيرةً إلى أن «عدداً من هذه الهجمات قد تكون جرائم حرب»، ومضيفةً أنه «بمواصلتها بيع السعودية أسلحة، يمكن أن تصبح فرنسا شريكة في انتهاكات خطيرة للقانون الدولي وتوجه رسالة مفادها الإفلات من العقاب» إلى القيادة السعودية.
ينوي عدد من تلك المنظمات اللجوء إلى القضاء، على اعتبار أن فرنسا تنتهك اتفاقية تجارة الأسلحة التي وقّعتها باريس في 2014 وتنصّ على امتناع الدول الأعضاء فيها عن نقل أسلحة يمكن أن تستخدم في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

أضرار جانبية!
أدى العدوان السعودي على اليمن، المستمر منذ آذار 2015، إلى سقوط نحو عشرة آلاف قتيل، وأنتج أزمة تصفها الأمم المتحدة بأنها «أسوأ كارثة إنسانية في العالم». ومع أنها تعبّر باستمرار عن استيائها من «الأضرار الجانبية» في صفوف المدنيين اليمنيين، تبقى فرنسا أحد المصادر الرئيسية للمعدات العسكرية للسعودية والإمارات العربية المتحدة.
تصرّ الحكومة الفرنسية، بدورها، على أنها تمتلك «نظاماً متيناً وشفافاً لمراقبة تصدير المعدات الحربية»، وتتخذ قرارات التصدير «في إطار احترام صارم لالتزامات فرنسا الدولية»، فيما ذكرت منظمة العفو الدولية أن هذه الحجج يصعب أن تكون مقنعة، لأن النظام «غير شفاف». كذلك، يؤكد مكتب رئيس الوزراء الفرنسي أن «إجراءات المراقبة المتعلقة بقضية اليمن... عُزِّزَت بشدة في الأشهر الأخيرة».
في السياق نفسه، طالب النائب سيباستيان نادو، العضو في الأغلبية الرئاسية، بإنشاء لجنة برلمانية للتحقيق بشأن مبيعات الأسلحة إلى «أطراف النزاع» في اليمن. ورأى النائب أن «الأمر يتعلق بمعرفة ما إذا كانت فرنسا قد احترمت التزاماتها الدولية في هذا المجال»، معبّراً عن أسفه «لعدم وجود» رقابة برلمانية على مبيعات الأسلحة، التي قال إنها «محض إدارية والبرلمان يملك بعض المعلومات، لكن ليس لديه أي تفاصيل».
تلك المواقف وجدت صدىً لدى الرأي العام الفرنسي، وفق استطلاع للرأي أجراه معهد «يوغوف» أخيراً، إذ إن ثلاثة من كل أربعة فرنسيين (74 في المئة) يرون أنّ «من غير المقبول» أن تبيع فرنسا السعودية معدات عسكرية، بينما ترى غالبية ساحقة منهم (88 في المئة) أن على فرنسا وقف تصدير أسلحة إلى دول يمكن أن تستخدم فيها ضد سكان مدنيين.