كان الأسبوع الماضي «أسبوع المياه» بامتياز. ففي ظلّ التحذيرات من خطورة عدم التعاطي مع المياه بنمط مستدام وتأكيد ضرورة الحفاظ على الموارد، عُقد «منتدى المياه» في إسطنبول مع بقاء الخلافات حول مفهوم «الحق في الحصول على المياه». لكن قبل هذا الأسبوع دُشّن في السودان أكبر سدّ أفريقي من دون «ضجّة إعلاميّة»
نيويورك ـــ نزار عبود
بعد 10 سنوات من عمليّات البناء، دشّن السودان في بداية الشهر الجاري سد «مروي»، السد الأكبر لتوليد الكهرباء في أفريقيا، ويقع عند جزيرة مروي في نهر النيل على بعد 350 كيلومتراً شمال الخرطوم. واللافت هو أنّ هذا التدشين تمّ عشيّة المنتدى الدولي للمياه الذي استضافته إسطنبول التركيّة في ظلّ تنبيهات متزايدة من الأمم المتّحدة، وتحديداً الـ«يونيسيكو»، إلى ضرورة المحافظة على المياه من خلال الاستدامة في استخدامها، فمع حلول عام 2030 سيواجه 47 في المئة من سكّان العالم صعوبة في الحصول على المياه العذبة.
وتبرز أهميّة السدّ السوداني من ناحية أنّه يتخطّى في طاقته مشروع «السد العالي» في مصر. وسيساعد على مضاعفة الإنتاج الصناعي في البلد الأفريقي الفقير وإنارة 90 في المئة منه بعد تغطية كانت تبلغ 30 في المئة فقط، وفقاً لحسابات الشركات الدولية التي نفذته.
تعود فكرة المشروع إلى عهد الحكم السوداني ـــــ المصري ـــــ البريطاني في أوائل القرن العشرين. وكان يراد منه مضاعفة إنتاج القطن لتلبية احتياجات مصانع النسيج في الإمبراطورية البريطانية. غير أنّ المشاريع تعطّلت بفعل التطورات السياسية والعسكرية في المنطقة، فضلاً عن عزوف الدول عن تمويله بسبب قدرة السودان الضعيفة على السداد.
وأوقظت الفكرة في عام 1993 من الحكومة ليبدأ التنفيذ في عام 1999. وهذه المرة لم يكن هناك من ممانعة في التمويل الذي أتى من كل الجهات، ولا سيما من الصين التي تحتفظ بعلاقات خاصة مع الخرطوم.
«سد مروي»، الذي يعدّ أكبر مشروع صيني خارجي، سيولد 1250 ميغاوات من الطاقة الكهربائية، مضاعفاً تيار السودان الكهربائي. واستخدمت فيه 10 توربينات ويتوقع المصممون أن ينتج 5.5 تيراوات من الكهرباء في السنة. لذا كان لا بد من تحديث شبكة نقل الكهرباء السودانية بحيث تتمكن من نقل الطاقة الإضافية الكبرى المنتجة.
ويجري مد خطوط توتر عال في السودان لمسافة 500 كيلومتر: تعبر صحراء بيوضة لتصل إلى مدن عطبرة وأم درمان والخرطوم. وهناك مشروع خط توتر عالٍ آخر لمسافة ألف كيلومتر يتجه شرقاً إلى ميناء بورسودان، وآخر غرباً إلى مدن وبلدات إقليمية هي مروي ودبا ودونغولا.
ويبلغ حجم خزان السدّ المائي (بحيرة السد) 12.5 كيلومتراً مكعباً من المياه، تعادل 20 في المئة من تدفق مياه النيل السنوي، لتمتد بحيرة السدّ مسافة 174 كيلومتراً شمالاً.
ويُنتظر من هذا المشروع العملاق أن يضاعف الإنتاج الصناعي في السودان، ويوفّر الري لعشرات آلاف الكيلومترات ويرفع مستوى معيشة السكان ويفتح أسواقاً مليونية للمنتجات الكهربائية. ورغم أنه سيغمر 12 ألف فدان من الأراضي الزراعية، فإنه سيوصل الري إلى 155 ألف فدان توفّر فائضاً إضافياً من إنتاج السودان الغذائي. فائض يمكن أن يحمي البلاد من الأزمات الغذائيّة أو حتّى السياسيّة.
ومن بين الفوائد الجانبية للسدّ أنه وفّر شبكة مواصلات جديدة مهمة تشمل إلى جانب مدّ الشوارع الجديدة وإقامة جسر الصداقة بين مدينتي مروي وكريمة على ضفتي النيل، وشق طريق بري، إقامة مطار دولي وخط قطارات جديداً.
وقد عانى السودان تاريخياً من نقص حاد في الطاقة الكهربائية حتى بالمعايير الأفريقية. ففي عام 2002 كان متوسط استهلاك الفرد من الكهرباء لا يتعدى 58 كيلووات في السنة. وهي نسبة تصل إلى واحد على 15 من النسبة في مصر، وتصل إلى واحد في المئة من استهلاك الفرد في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
كذلك تفتقر معظم أقاليم السودان إلى أيّة تمديدات كهربائية، فيما تتمتع العاصمة الخرطوم وضواحيها بثلثي إنتاج البلاد من الطاقة.
وعليه فإن المشروع يأتي في إطار خطة لربط الأقاليم ببعضها كهربائياً. وله أيضاً بعد سياسي، ولا سيّما أنّ الاستفتاء على مستقبل جنوب السودان بات قريباً، فما إن أنهى البشير تدشين السد حتى أعلن خفض رسوم الكهرباء بنسبة 30 في المئة للفلاحين، و25 في المئة للمستهلكين في المدن.
وبالنسبة إلى تمويل السدّ، فبعد اكتشاف النفط في السودان تزاحمت أطراف عديدة على توفير المال من مجموعة من الصناديق والمساعدات العربية والأجنبية، على رأسها الصين التي أسهمت بمبلغ 575 مليون دولار من أصل ملياري دولار. وأسهمت الكويت عبر الصندوق الكويتي العربي للتنمية الاقتصادية، والسعودية وقطر وعمان بمجموع 850 مليون دولار. وأكملت حكومة السودان التمويل بضخ 525 مليون دولار في المشروع القادر على توفير السداد بسهولة من رسوم الكهرباء والمياه.


حقّ أم حاجة؟

بعد 7 أيّام من النقاشات اختتم المنتدى العالمي للمياه الذي جمع أكثر من 25 ألف شخص في إسطنبول أمس، بإصدار إعلان خجول اكتفى بتأكيد ضرورة تحسين ظروف الحصول على المياه والصرف الصحي. واللافت هو أنّ مفهوم «الحق في الحصول على المياه» لم يرد في النص الذي تزامن توقيعه مع الاحتفال بيوم المياه العالمي، وفقاً لما نقلته وكالة «فرانس برس». وحاولت فرنسا وإسبانيا ودول عديدة من أميركا اللاتينية وأفريقيا بلا جدوى تعديل النص الذي يقول إنّ الحصول على مياه الشفة والصرف الصحي «حاجة إنسانية أساسية»، وليس «حقاً».