سجّل سعر النفط أعلى مستوى له خلال عام 2009، في جلسة الثلاثاء الماضي، بعد سلسلة من الارتفاعات عكست نمط تدهوره الدراماتيكي بسبب تراجع الطلب الناتج من الركود العالمي. ويوم أمس ارتفع السعر إلى أعلى مستوى له خلال 6 أشهر: فوق 58 دولاراً للبرميل. مستوى تفرضه موجة التفاؤل النسبي بالاقتصاد العالمي، وترضى به «أوبك» على مضض
حسن شقراني
يمثّل ارتفاع حجم الاحتياطات النفطيّة لدى البلدان المستهلكة، وتحديداً الولايات المتّحدة، قلقاً حقيقياً لمجموعة البلدان المصدّرة للنفط، «أوبك». فتراجع الأسعار بنحو 100 دولار منذ تمّوز الماضي، بسبب موجة الركود العالمي، جعل من السهل استغلال أوضاع السوق من أجل تكديس الوقود الأحفوري في المخزونات الاستراتيجيّة.
وقد وصلت تلك الاحتياطات في الولايات المتّحدة إلى أعلى مستوى لها منذ عام 1990، مع تراوح سعر برميل النفط بين 45 دولاراً و55 دولاراً لفترة طويلة. وتبلغ تلك الاحتياطات 375 مليون برميلاً، إضافة إلى 40 مليون برميل عائمة في خليج المكسيك، وفقاً لتقرير أصدرته مؤسّسة الاستشارات في قطاع الطاقة «JBC» التي تتخذ من فيينا مقراً لها.
ولكن تلك الاحتياطات نمت في الأسبوع المنتهي في الأوّل من أيّار الجاري بواقع 600 ألف برميل فقط. وهو رقم أقلّ من توقّعات المحلّلين بنحو 150 في المئة. ما قد يشير إلى أنّ الأسواق قد تتجه إلى الاستقرار نسبياً. ولكن لا يبرّر الارتفاع، لأنّ الطلب لا يزال عند مستويات منخفضة ومن غير المتوقّع انتعاشه أبداً قبل الدخول جدياً في النصف الثاني من العام الجاري. وبحسب وزارة الطاقة الأميركيّة انخفض الطلب اليومي على البنزين في الولايات المتّحدة إلى 8.9 ملايين برميل يومياً. وما يلفت هنا هو إشارة العديد من مراقبي السوق النفطيّة، ومنهم من استطلعت آراءهم صحيفة «Financial Times»، إلى أنّ أداء الأسهم في الأسواق الماليّة حول العالم انعكس تفاؤلاً لدى المستثمرين في العقود النفطيّة الآجلة.
فمعظم أولئك المستثمرين يتوقّع حالياً أن يكون التوجّه الصعودي الذي تشهده البورصات يمهّد لانتعاش ثابت يبدأ في الفصل الثالث من العام الجاري. وهذا التطوّر سيظهر أيضاً في المؤشّرات الاقتصاديّة الأخرى، حيث بات واضحاً أنّ الاقتصاد الصيني سيستعيد عافيته من منظور نسبة النموّ في الأشهر القليلة المقبل، وأبرز الدلالات على ذلك انتعاش مؤشّر مديري مشتريات الشركات (PMI). وفي الولايات المتّحدة التفاؤل هو نفسه، حيث أعلن مدير الاحتياطي الفدرالي، بن برنانكي، أنّ من الطبيعي جداً توقّع انتعاش أكبر اقتصاد في العالم في وقت لاحق من عام 2009. وللإشارة فإنّ الولايات المتّحدة والصين هما أكبر مستهلكين للنفط.
أمّا المؤشّر المهمّ الآخر الذي أدّى إلى انتعاش سعر النفط في بورصة نيويورك إلى أعلى مستوى مسجّل منذ منتصف تشرين الأوّل الماضي، وتجاوز في مرحلة ما من جلسة التداول الـ58 دولاراً، فكان نتائج سوق العمل التي جاءت أفضل من المتوقّع في الولايات المتّحدة. فقد بلغ عدد الوظائف التي ألغاها القطاع الخاص في نيسان الماضي 491 ألف وظيفة مقارنة بـ708 آلاف وظيفة في الشهر السابق، بحسب التقرير الوطني للعمل.
وهذا التطوّر أراح المستثمرين الذين راقبوا الاقتصاد يخسر أكثر من 5 ملايين وظيفة منذ كانون الأوّل من عام 2007. وقد وصل معدّل البطالة إلى 8.5 في المئة، وهو مستمرّ في الارتفاع من دون شكّ، إلّا أن وتيرة نموّه تبدأ بكبحها مفاعيل خطّة إدارة الرئيس باراك أوباما لمواجهة الأزمة.
إذاً فسعر النفط تأثّر بهذه الإحداثيّات، وانعكس ذلك أيضاً في التعاملات في أوروبا وآسيا. وقد انخفضت أساساً الضغوط في سوق الوقود الأحفوري بعدما أعربت «أوبك» رسمياً عن «الرضى» بالمستويات الحاليّة التي تسجّلها السوق (تفترضه 50 دولاراً للبرميل)، وقالت السعوديّة إنّ انكفاء المنظّمة الدوليّة عن خفض الإنتاج من أجل إنعاش الأسعار، يعدّ مساهمة من جانبها في إنعاش الاقتصاد العالمي. وهي تخلّت بالتالي عن الطموح إلى سعر يراوح بين 70 دولاراً و80 دولاراً للبرميل. ولهذا السبب تحديداً يبدو أنّ اجتماع «أوبك» في 28 من الشهر الجاري لن يقرّ خفضاً في الإنتاج من أجل «استقرار الأسواق».
من جهة أخرى، فإنّه رغم توقّع تراجع الطلب على الوقود الأحفوري خلال عامَي 2009 و2010، من جانب «أوبك» ومنظّمة الطاقة الدوليّة التي تُعنى بشؤون البلدان الصناعيّة، فإنّ التحليلات تتوقّع إنهاء العام بارتفاع. وتقول دائرة البحوث في مصرف «Goldman Sachs» إن سعر البرميل سيصل إلى 65 دولاراً في نهاية العام الجاري بسبب «استقرار البيئة الصناعيّة وتوقّع انتعاش النموّ في النصف الثاني من العام الجاري». توقّعات مناسبة لـ«أوبك» غير أنّها سيّئة للبلدان المستهلكة، وبينها لبنان، لأنّ موجة الانتعاش التي ستظهر عام 2010 قد ترفع الأسعار إلى مستويات عليا يمكن أن تتخطّى المستوى القياسي البالغ 147 دولاراً.


عودة إلى العراق

لفتت صحيفة «Financial Times» في تقرير نشرته أمس، إلى أنّ الشركات النفطيّة العالميّة بدأت تعود إلى العراق بعد 40 عاماً من «المنفى»، حيث أمّمت بلاد الرافدين الصناعة في عام 1973. ومن بين الشركات الطامحة إلى الاستثمار في نفط العراق، الذي يبلغ إنتاجه اليومي 2.4 مليون برميل، «BP» و«Royal Dutch Shell». فهاتان الشركتان ستطرحان عروضهما الشهر المقبل، لإبرام عقود تستفيدان عبرها من مقدّرات العراق: احتياطات نفطيّة تبلغ 115 مليار برميل وهي الثالثة عالمياً، فيما 88 في المئة من الاحتياطات العالميّة تسيطر عليها بلدانها.