صناعة السيّارات لا تنفكّ تشهد تطوّرات تزامناً مع تغيير الأزمة الاقتصاديّة العالميّة وارتفاع أسعار النفط لبيئتها الإنتاجيّة وإحداثيّات السوق. فبعد مفاجآت «Volkswagen» وقطاع السيّارات الأميركيّة، تطرح «Fiat» الشركة الصناعيّة الأكبر في أوروبا، خططها الطموحة لزيادة حصّتها في السوق عبر إنشاء عملاق جديد في أوروبا يبيع 7 ملايين سيّارة سنوياً
حسن شقراني
بعد أسبوع من إبرام اتفاق مع الإدارة الأميركيّة للاستحواذ على حصّة 20 في المئة من شركة السيّارات المفلسة «Chrysler»، توجّه المدير التنفيذي للشركة الصناعيّة الأكبر في إيطاليا، «Fiat Group SpA»، سيرجيو ماركيونيه، إلى ألمانيا وهدفه إجراء مفاوضات مع الحكومة في إطار رزمة للاستحواذ على الفروع الأوروبيّة للعملاق العالمي «السابق» في صناعة السيّارات، «General Motors».
المحادثات مع وزيري الخارجيّة والاقتصاد في أكبر اقتصاد في القارّة العجوز، فرانك والتر شتاينماير وكارل غوتنبرغ، تصبو إلى إيجاد أرضيّة مشتركة لسيطرة العملاق الأوروبي على شركة «Opel» التي توظّف 25 ألف عامل في 5 مصانع ألمانيّة. وتولد من تلك السيطرة شركة تقارب عائداتها 80 مليار يورو ومبيعاتها 7 ملايين سيّارة سنوياً، لتحلّ ثانية في العالم بعد «Toyota» وتهدّد «Volkwagen» على مركز أكبر صانع سيّارات أوروبياً.
الصحيفة البريطانيّة، «Financial Times»، نقلت عن ماركيونيه قوله: «من وجهة نظر هندسيّة فإنّ هذا التزاوج مصنوع في الجنّة». الإشارة «منطقيّة»، لأنّه إلى جانب الحصّة في «Chrysler»، التي تنتظر إعادة الانطلاق بعد إجراءات التفليس على يد إدارة الرئيس باراك أوباما، ستسيطر «Fiat» على 10 مصانع سيّارات تابعة لـ«GM» في أوروبا، غالبيّتها تقع في الجزء الغربي من القارّة، وهي أساساً تملك 11 مصنعاً معظمها في إيطاليا. وهكذا ستنشأ شركة يخشاها العمالقة الحاليّون في الصناعة، وخصوصاً في أسواقهم الأميركيّة اللاتينيّة والأميركيّة الشماليّة والأوروبيّة، وفقاً للصحيفة نفسها.
ويأمل ماركيونيه أن تُبرم صفقة «Opel» في نهاية الشهر الجاري، وأن يبدأ التداول بأسهم الشركة الجديدة التي ستسمّى طبعاً «Fiat/Opel» في نهاية الصيف المقبل. وهو يركّز على الشركة الألمانيّة نظراً إلى مسؤوليّتها عن أكثر من 80 في المئة من المبيعات السنويّة لـ«GM» في أوروبا البالغة 34.4 مليار دولار.
من جهة أخرى، ستطلب الشركة الإيطاليّة من الحكومة البريطانيّة والحكومات الأوروبيّة الأخرى حيث تملك مصانع، الموافقة على ضمانات قروض للشركة الجديدة. فـ«GM» تصنع أيضاً سيّارات «Vauxhall» في منطقة إليسمير البريطانيّة.
واللافت في خطوة «Fiat» الطموحة هو أنّها تأتي في زمن صعب جداً بالنسبة إلى صناعة السيّارات. فمن جهة، هناك تراجع المبيعات عالمياً بسبب موجة الركود التي تخفض ثقة المستهكلين والأسعار والأرباح. وآخر الدلالات على ذلك كانت البيانات التي أصدرتها جمعيّة صانعي السيّارات في إسبانيا، والتي أفادت أنّ مبيعات السيّارات الجديدة تراجعت بنسبة 45.6 في المئة في نيسان الماضي، على أساس سنوي، ما يعكس ازدياد حدّة التراجع حيث كانت نسبة الانخفاض 38.7 في المئة في الشهر السابق.
ومن جهة أخرى، تعترض أعمال هذا القطاع المخاوف من عودة أسعار النفط إلى المستويات القياسيّة التي سجّلتها في الصيف الماضي. ففيما سعر برميل النفط يراوح حالياً بين 50 دولاراً و55 دولاراً (ويهبط دون الـ50 دولاراً بين الحين والآخر) بسبب تراجع الطلب، ستؤدّي موجة التعافي وعودة النموّ التي يرجّح أن تبدأ العام المقبل، إلى ارتفاع سعر الوقود الأحفوري ربّما بنمط أسرع مما سجّل في العام الماضي.
ومن هذا المنطلق كان هذا الاندماج الذي تنوي «Fiat» تحقيقه متوقّعاً، حيث يستغلّ ماركيونيه الأوضاع الصعبة التي تمرّ بها الصناعة في أميركا، ويصف طموحات شركاته بأنّها «حلّ سهل مذهل لمشكلة شائكة جداً».
وفي ظلّ ازدياد المنافسة على إنتاج السيّارات الأكثر عصريّة من حيث التصميم واستهلاك الوقود والاعتماد ربّما على الطاقة الكهربائيّة، سيطلق هذا الاندماج المرتقب موجات أخرى من الاتحادات في صناعة السيّارات عالمياً. ولكن المنحى السلبي للنتائج التي سيطلقها ستؤدّي إلى نشوء موجة عارمة الاعتراض النقابي قد تتحوّل إلى سياسيّة.
ولكن على الرغم من أنّ الاندماج العملاق قد يؤدّي إلى إلغاء بين 8 آلاف و9 آلاف وظيفة (على أساس حسابات موازية، حيث توظّف «GM» و«Fiat» 55 ألف شخص و39 ألف شخص في أوروبا على التوالي) يبدو أنّ الحكومة الألمانيّة مهتمّة بالصفقة التي تحتاج إلى دعم من الحكومات بقيمة 7 مليارات دولار. فقد قال غوتنبرغ بعد لقائه ماركيونيه أمس، إنّ «المقاربة مثيرة للاهتمام من دون شكّ»، وإنّ حكومته ستبحث هذه الخطط إضافةً إلى خيارات أخرى.... ولكن ما هي تلك الخيارات الأخرى، فـ«Opel» تتخبّط منذ فترة لتأمين 3.3 مليارات يورور على شكل ضمانات حكوميّة، ولم تأتِ تلك الضمانات!


رفض الدائنين

تسعى شركة «Chrysler» إلى إقرار اتفاق بيع 20 في المئة من حصّتها إلى «Fiat»، واقترحت في هذا السياق على محكمة التفليس المسؤولة عن شؤونها القانونيّة حالياً بتّ المسألة. ولكن هذا الاقتراح استتبع رفضاً من جانب دائنيها الذين رفضوا سابقاً الخطّة المقترحة لإنقاذها من خلال القبول بـ2.5 مليار دولار نقداً مقابل الديون البالغة 6.9 مليارات دولار. والحصّة المفترضة سترتفع إلى 35 في المئة سريعاً في إطار محادثات اندماج يقودها مدير «Fiat» سيرجيو ماركيونيه، الذي يشغل أيضاً منصب نائب غير تنفيذي لرئيس مجلس إدارة مصرف «UBS».