أبرز الإصلاحات التي ينادي بها مرشّح الرئاسة «الخاسر» في إيران، مير حسين موسوي، تتعلّق بالاقتصاد. فثالث أكبر مصدّر للنفط عالمياً لا يبدو أنّه يستطيع تسوية أوضاع شعبه الاقتصاديّة على طريق النمو والتنمية، وتحديداً بسبب رؤية الرئيس محمود أحمدي نجاد التي ينتقدها محلّلون كثيرون. والأزمة السياسيّة القائمة تفرض تفاقم الضغوط الاقتصاديّة من كل الاتجاهات
حسن شقراني
الأحداث التي تشهدها إيران منذ أكثر من أسبوع رفعت من مستوى الخطر على الاقتصاد العالمي. هذا التحذير أطلقه رئيس المصرف المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه أمس. فالاقتصاد الكوني يمرّ في ركود هو الأسوأ منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية، وسيتقلّص بنسبة 1.3 في المئة خلال العام الجاري بحسب ترجيحات صندوق النقد الدولي، و«أيّ توتّر جيو ـــــ استراتيجيّ إضافي يمثّل خطراً إضافياً» عليه.
تريشيه تحدّث لإذاعة «Europe1»، وشدّد على أنّه رغم أنّ الانعكاسات لم تظهر بعد، إلّا أنّ «ما يحدث (الاضطرابات السياسيّة الإيرانيّة) لا يزال حديثاً ويمثّل بوضوح عامل مخاطرة».
التطرّق إلى إيران واضطراباتها السياسيّة التي تمتدّ إلى إقليمها الحسّاس أساساً بحكم التوتّر القائم مع الدول العربيّة ومع إسرائيل، إضافة إلى عامل النفط، هو جزء من «تحليل أوسع يجب أن يرتبط بالمخاطر في أسواق النفط، ليس فقط بسبب إيران، بل بسبب منطقة بمجملها» أي منطقة الشرق الأوسط حيث يوجد أكثر من 60 في المئة من الاحتياطات النفطيّة العالميّة التي تقلّصت للمرّة الأولى العام الماضي بحسب التقرير الأحدث لشركة «British Petroleum»: الاحتياطات المؤكّدة تراجعت إلى 1.258 تريليون برميل، ما يعني أنّها تكفي لـ41 عاماً فقط في ظلّ أنماط الاستهلاك القائمة.
ومنطقة إيران تضمّ طبعاً مضيق هرمز، الممرّ المائي الأكثر استراتيجيّة للوقود الأحفوري عالمياً، الذي يمكن طهران أن تسيطر عليه «أمنياً» إذا تفشّى صراعها الداخلي شرق أوسطياً.
لكن بعيداً من الإحداثيّات الأمنيّة والمعايير العسكريّة ـــــ الطاقويّة، يثير حديث تريشيه مسألة أساسيّة في صراع السلطة الإيراني القائم حالياً: الاقتصاد الإيراني بحدّ ذاته، نظراً لأنّ مناصري نظام الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة يعتدّون بالمكاسب الاقتصاديّة التي حقّقتها إدراة تلك الثورة منذ عام 1979 مقارنة بإرث عصر الشاه وما افترضه من تبخيس لثروة الأجيال (الطاقة تحديداً)، و«اصطدموا» بإدارة الرئيس محمود أحمدي نجاد للاقتصاد التي أدّت منذ عام 2004 إلى تفاقم المؤشّرات الاقتصاديّة ـــــ الاجتماعية.
وبسرعة يمكن عرض تلك المؤشّرات على الشكل الآتي:
* ارتفع معدّل البطالة إلى نحو 12.5 في المئة حسبما أفادت التقارير الإعلاميّة الرسميّة في نيسان الماضي.
* معدّل التضخّم (معدّل ارتفاع الأسعار على أساس سنوي) لا يزال 15 في المئة رغم أنّه تراجع بنحو 15 نقطة مئويّة مقارنة بالمستوى المقارب لـ30 في المئة الذي بلغه في بداية العام الجاري.
* نسبة النموّ الاقتصادي تبقى خجولة، وهي ستبلغ خلال العام الجاري نحو 3.5 في المئة، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، مقارنة بـ4.5 في المئة في العام الماضي. وهذان المستويان غير منطقيّان أبداً إذا قيسا بمستوى «الإنجازات الاقتصاديّة» التي يتحدّث عنها المناصرون المذكورون.
وعلى صعيد آخر يمكن الإشارة أيضاً إلى أنّ نقاط الضعف الاقتصادي لا تتعلّق فقط بالمؤشّرات، بل بمعطى مثل الشفافيّة في تحديد الأموال النفطيّة، وبالتالي بعمل آليّات الموزانة العامّة التي يُفترض أن تدير العائدات وتحسن تدبير أوجه الإنفاق.
فمير حسين موسوي يتحدّث عن ضرورة كشف كيفيّة صرف العائدات النفطيّة خلال ثلاثة عقود من الثورة الإسلاميّة، وخصوصاً أنّ حكم نجاد قام بهوامش واسعة على تقديم المعونات الغذائيّة والطاقويّة للإيرانييّن، الأمر الذي أدّى أساساً إلى ارتفاع حدّة الضغوط التضخميّة. مسألة أخرى يمكن الاحتكام إليها في ما يتعلّق بتقويم أداء إيران اقتصادياً. فالبلاد هي المصدّر الثالث للنفط عالمياً، وتنتج في اليوم نحو 4.8 ملايين برميل، غير أنّ الاستهلاك الداخلي للمشتقّات النفطيّة التي تضع البلاد في المرتبة رقم 16 بحسب هذا المعيار، لا يزال يفرض استيراد 40 في المئة من الحاجات الأساسيّة من تلك المشتقّات.
وهذه المعطيات الاقتصاديّة تنعكس اجتماعياً طبعاً ومطالبات متزايدة لتغيير النهج الاقتصادي القائم على الروافع السياسيّة. ومن هنا تكتسب معارضة مير حسين موسوي صدى ملموساً في الشارع (إضافة طبعاً إلى مسألة الحريّات السياسيّة وطبيعة النظام).
«يجب علينا ألّا نتعاطى مع الأمور بطريقة دراماتيكيّة. يجب أن نتابع ما يحدث بكثير من التركيز». هكذا ختم تريشيه كلامه أمس. لكن من يجب أن يركّز أكثر هو الشعب الإيراني لأنّ مأساته ومأساة باقي الشعوب التي تتمتّع بخيرات الذهب الأسود ولا تزال مؤشّراتها سلبيّة هي بالفعل دراماتيكيّة إن ليس آنياً فاستراتيجياً.


تجارة مع أميركا

خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري تضاعف تقريباً حجم صادرات الولايات المتّحدة إلى إيران لتصل قيمتها إلى 96 مليون دولار، وفقاً لتحليل أجرته وكالة «Associated Press» لبيانات التجارة التي يجمّعها «المعهد الدولي للبحث الاقتصادي الاستراتيجيّ» الموجود في ماساتشوسيتس. وخلال عامي 2007 و2008 بلغت قيمة تلك الصادرات 27 مليون دولار و51 مليون دولار على التوالي، ما يعني أنّ النموّ المسجّل قوي جدياً رغم الحظر المفروض. وأبرز السلع المستوردة إيرانياً هي السلع الزراعيّة الغذائيّة بسبب ضعف المحصول.