زوجان متمركزان على كنبة. تارة يتناحران، وطوراً يحاولان المغازلة وممارسة الحب. «نمت أنا وعم حبّك؟» بهذه الجملة تطل الزوجة (برناديت حديب) من تحت الشرشف الذي يغطي زوجها (عصام بو خالد) الذي أيقظه كابوس راوده في عزّ غفوته! هكذا يُستهل عرض «كارنيفورس» (كتابة عصام بو خالد وسعيد سرحان ـ إخراج عصام بو خالد بالتعاون مع سرمد لويس) معلناً محور العرض: علاقة زوجية متوترة تتخذ منحى تصاعدياً وفكاهياً في القسم الأول. فالزوجة محرومة جنسياً، ومنزعجة من اعتكاف الزوج عن «تلييك» صورها على مواقع التواصل! هذا ما يدفعها للتفكير في إجراء عملية تجميلية علّها تستنهض «الخلايا النائمة» لدى زوجها، فيلبّي حاجاتها. خلال هذه الهمروجة، تصل رسالة عاجلة على الهاتف عن تفجير انتحاري حصل في مقهى ليلي في المدينة. يدّب الذعر في الزوجين، فابنهما البالغ ١٧ سنة خارج البيت. ويأتي الخبر عن هوية الانتحاري الذي نفذ التفجير، ليشقلب الموازين والجو، فيحوّل الكنبة إلى جبهة حرب بين الزوجين ينهشان بعضهما فيها حتى الاستنزاف... فالانتحاري لم يكن سوى ابنهما!يتطرق العرض إلى مواضيع عدة من واقع المجتمع اللبناني، وكل ذلك يشير إليه الكاتبان من خلال محادثة روتينية بين الزوجين. يطغى الحس الفكاهي على القسم الأول من العمل، مما يزيد من درامية القسم الثاني، خاصة أن معالجتهما جاءت عميقة إنسانياً، تمس صميم معيوشنا وتاريخنا القريب، بكل ما يحملانه من واقعية فجة. الكنبة هي العنصر الأساسي للسينوغرافيا البسيطة والبليغة وتشكّل المركز الأساسي للزوجين. تكون هذه الكنبة بمثابة منزلهما وحياتهما وعلاقتهما الزوجية. إلا أن الصور الجمالية التي خُلقت لها، كان وقعها كبيراً، فتنطبع في الذهن. تغيّرت الحال من القسم الأول إلى القسم الثاني، أظهرته الإضاءة، بالإضافة إلى العناصر الأخرى، وزادت من هوة الشرخ بين الزوجين. امتلأ المكان بينهما على الكنبة بفراغ أسود. الكنبة التي جمعتهما طوال العرض/ العمر شُرخت هي أيضاً. ربما كان الفراغ الذي ولد بينهما على الكنبة، هو الفراغ الذي حصل بموت الولد. إذ إن الوالد/ الزوج يقول: «لو ما في الصبي كنت فلّيت من زمان»، أم أن ما جمعهما طوال العرض/ العمر وكان يبدو رابطاً قوياً ولو غير ثابت، ما كان إلا هوّة سوداء بان عمقها بوضوح بعد وقوع مصيبة تستفز هويتهما وانتماءهما وهما متورطان بها.
يوميات زوجية روتينية ومملة يخترقها حدث إرهابي


في كتابة النص، لجأ عصام بو خالد وسعيد سرحان إلى لغة مزدوجة الدلالات، فكان معجم الحب الدلالة الأولى. أما الدلالات الضمنية، فكانت استرداداً لمعجم لغة الحرب. المحقق (يؤدي دوره سعيد سرحان) يهبط على الزوجين هبوطاً. لا ندري من أين يدخل، ولا بأي سرعة تمكّن من جمع بعض المعلومات لتحقيقه. إذ إن أغلبية التحقيق تدور حول سبل التربية التي اعتمدها الوالدان. يدخل المحقق في خصوصيتهما بعيداً عن السياسة والطائفية، ويصبح التحقيق ضارياً إنسانياً. لم يبكيا رثاءً لابنهما، فهما لم يُمنحا الحق ولا الوقت لذلك. كان على كل منهما اتخاذ مركزه بحكمة للانقضاض على الآخر بالاتهامات واللوم إزاء الخيارات التربوية التي اتخذها الشريك الآخر تحت رشق أصابع الاتهام الموجهة ضدهما. تتحول الكنبة إلى ساحة معركة. مشهد ألفناه في حروبنا مع بعضنا وعلى بعضنا. ونتساءل: هل مُنحنا الوقت للبكاء على ما حلّ بنا؟ هل أخذنا وقتاً للرثاء؟ أم أننا نعاود الكرّة كلما سنحت الفرصة أو كلما هُيّئ الجو لذلك؟
ما ترك أثراً كبيراً بنا هو معالجة عبثية التعوّد على الموت وتجاوز الكارثة. الزوجان يؤخذان بمتابعة ردود الفعل على التفجير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ونؤخذ بتفاعلهما ونقاشهما حول الآراء المتضاربة. بشكل تدريجي وتصاعدي، تظهر الاختلافات والخلافات بينهما. هذه هي حال البلد لا بل العالم كله. ننسى التفجير، ننسى الموت، ننسى المصيبة ونلجأ إلى ما يتيح لنا صرف نظرنا عن الواقع. اعتدنا الموت، لقد صار قوتاً يومياً تماماً مثل اعتيادنا على حوادث السيارات، والتفجيرات التي تصبح أمراً عبثياً من كثرة تكرارها، لا تثير حتى التساؤل عن سببها أو بعث القشعريرة في الجسد. أصبح الموت رقماً عابراً، قد يدفع أحياناً للتعاطف إذا زادت جرعته. لكن مع الوقت، تحول التعاطف إلى وحش كريه، يحتاج إلى رقم أكبر كل مرة من المرة السابقة حتى يخرج، ويصبح صادقاً، ويحرّك جزءاً من الإنسانية التي تموت فينا كل يوم ببطء.

* «كارنيفورس»: س:20:30 اليوم وغداً ـــ «مسرح دوار الشمس» (الطيونة) ـ للاستعلام: 76/014596