في هذه البلاد المقطوعة عن الكهرباء، غالبية الوقت، يصبح مشهد عمل الأجهزة الإلكترونية بالنسبة إلينا، مشابهاً للحظة مرور التيار الكهربائي الآتي من الصاعقة في جسد وحش الدكتور فرانكنشتيان. إنّه حي إنّه حي. وتصبح الأمور المتعلقة بها، وعلى رأسها الكهرباء، أمراً عليك تعلمه وكأنه حيلة للبقاء، مثل ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات والإنفرتر (Inverter) والمولّدات. وقد تحتاج معرفة كيف يعمل توربين الرياح أيضاً.في الآونة الأخيرة، انتشرت عبارة أجهزة منزلية مع «إنفرتر»، تعد المستخدم باستهلاك أقل للكهرباء. هنا، سنوضح الفرق بينها وبين غيرها، وما الذي يتعيّن على المرء توقّعه منها.
في حديث مع «الأخبار»، يشرح وسام قبلان، وهو مدرِّب ومالك معهد تدريب في مجالات عدّة لصيانة الإلكترونيات، ماذا يعني وجود «إنفرتر» داخل تلك الأجهزة وما هو عمله؟ وهل تلك الأجهزة فعلاً أقلّ كلفة على المدى الطويل؟ وهل فترة حياتها مساوية للأجهزة العادية أم أنّ حدوث مشكلات فيها أمر أكثر تواتراً؟

تصميم عبر الذكاء الاصطناعي بواسطة محرّك «بينغ»

الـ«إنفرتر» هو مبدأ عمل الدوائر الإلكترونية، يقوم بتحويل التيار المباشر (DC) وكذلك ذلك الموجود في البطاريات، إلى تيار متناوب (AC) مثل ذلك المتوفر تحت مسمّى «كهرباء الدولة». انتشر الـ«إنفرتر» في السنوات الأخيرة في مجال الأجهزة الكهربائية المنزلية، على رأسها المكيّفات، والغسّالات، والبرّادات... أو بتعبير آخر، ضمن مجال الأجهزة المنزلية التي تستهلك طاقة كهربائية عالية عند إقلاعها وتشغيلها.
بشكل مبسّط، وجود «إنفرتر» في الجهاز يؤمّن المزيد من التحكّم بعمل الأجهزة في مختلف مراحلها، بهدف توفير الطاقة والتشغيل الناعم (soft start)، وهذا أمر في غاية الأهمية، إذ يقلّل بنسبة عالية جداً تيّار الإقلاع الأوّلي في الأجهزة التقليدية الذي يكون في أعلى المستويات فور تشغيلها، ومن ثم ينخفض عند الإقلاع. أما أجهزة الـ «إنفرتر»، فتقلع بشكل تدريجي بالتيّار وببطء، ما يسمح بالإفادة من مصادر كهرباء قليلة الأمبير. وبالتالي، يصبح بإمكان شخص لديه اشتراك مولد بسِعة خمسة أمبيرات تشغيل جهاز مثل المكيّف.
أما كيفية عمل هذه الأجهزة على الصعيد التقني، فيمكن تلخيصها بأنّها تعمل بداية على التيار المتناوب (AC)، فيتم في المرحلة الأولى، ومن خلال دائرة إلكترونية، تحويله إلى تيار مباشر (DC)، ومن ثم يخزّن التيار في مكثفات كهربائية كيميائية تسمّى electrolytic capacitors عالية السعة التخزينية، أشبه بالبطاريات لكنّها لا تتمتع بدوام الشحن الكهربائي في البطارية، إذ تفرّغ شحنتها الكهربائية خلال دقائق قليلة فور انقطاع التيار الكهربائي عنها. بعد مرحلة شحن المكثفات بالتيار المباشر، تبدأ المرحلة الثانية وهي مرحلة الـ «إنفرتر»، فيتم عبر دائرة إلكترونية أخرى، أبرز مكوّناتها نوع مطوّر من الـ «ترانزستور» يسمى IGBT ويتحمل تياراً عالياً يحوّل التيار المباشر إلى متناوب عبر نبضات معينة تصدر من خلال «مايكروكنترول» إليها، لتشكّل موجات sine wave، فينتج عنها كهرباء بتيار متناوب.
سعر الأجهزة المنزلية المزوّدة بـ «إنفرتر» أغلى من غيرها، لكن بحسب البائعين، من شأنها توفير المال على المدى الطويل كونها أقلّ استهلاكاً. في هذا الشأن، يقول قبلان إنّه للأجهزة الإلكترونية مرحلتين مختلفتين في استهلاك الكهرباء: مرحلة الإقلاع التي تمتد من ثوانٍ إلى دقائق وتتميز بأعلى استهلاك للأمبير، تليها مرحلة التشغيل الاعتيادي حيث يستقر الاستهلاك على قيمة معينة تستمرّ مع عمل الجهاز.
في المرحلة الأولى، تقلّل أجهزة الـ «إنفرتر» الكلفة بنسبة عالية، لكنها ليست مرحلة زمنية طويلة.
أما في المرحلة الثانية، ومن خلال التجارب العملية للأجهزة المستوردة في لبنان وخاصة الفئة الاقتصادية، يخف استهلاك الكهرباء بنسبة تراوح بين 10 و20 في المئة. نسبة يمكنها أن تزيد في المنتجات ذات النوعية الأعلى. ومن الطبيعي أن ينعكس هذا القدر من التوفير إيجاباً على فاتورة الكهرباء على المدى البعيد. إذاً، لا يعني مجرّد وجود وسم «إنفرتر» على الجهاز أنّه سيوفّر الاستهلاك بشكل كبير، نظراً إلى وجود درجات في الجودة.
أمّا عن فترة حياة هذه الأجهزة والصيانة، فيوضح وسام قبلان أنّ المسألة ستحسمها التجربة بعد مرور سنوات قليلة. عملية التصنيع ضمن الاقتصاد الرأسمالي عالمياً، حدّدت حياة المنتج بين 3 و5 سنوات، فيما تتمّ كفالة المنتج في سنته الأولى فقط. تعتبر هذه الأجهزة حديثة العهد في لبنان، ولا يمكن توقّع مسار حياتها بدقّة، لكن أعطالاً عدّة قد تصيب دوائر الإنفرتر في الكروت الإلكترونية نظراً إلى ضغط عملها في ظلّ تيارات كهربائية عالية يتمّ التحكم فيها بنبضات ذات تردّد عالٍ. أعطال قد يعجز عن إصلاحها الفنيون التقليديون، ممن لم يسبق لهم فهم آلية عملها.