وقّع الآلاف من موظفي شركة «غوغل»، من بينهم العشرات من كبار المهندسين، رسالة احتجاج على تورّط الشركة في برنامج تابع لوزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون»، يستخدم الذكاء الاصطناعي لتفسير صور الفيديو، بهدف تحسين هجمات الطائرات بدون طيار. تعكس العريضة، التي يتم تداولها داخل «غوغل»، وحصلت على أكثر من 3100 توقيع، صراعاً ثقافياً بين وادي السيليكون والحكومة الفيدرالية، التي من المرجّح أن تكثّف من استخدام الذكاء الاصطناعي المتطوّر، بشكل متزايد، لأغراض عسكرية.وتقول العريضة الموجّهة إلى الرئيس التنفيذي للشركة ساندر بيتشاي: «نعتقد بأنه لا ينبغي أن تكون غوغل في المجال الحربي». الموقّعون طلبوا الانسحاب من «مشروع مايفن»، وهو برنامج تجريبي للبنتاغون، وإعلان سياسة مفادها أن الشركة لن «تبني أبداً تقنية الحرب».

«لا تكن شريراً»
هذا الموقف المثالي، الذي لا يشاركه جميع موظفي «غوغل»، يأتي بنحو طبيعي نظرأ إلى أن شعار الشركة «لا تكن شريراً»، وهي عبارة استخدمت في رسالة الاحتجاج. لكن من الواضح أن الشعار غريب بالنسبة إلى وزارة الدفاع الأميركية، ذلك أن وزير الدفاع، جيم ماتيس، لطالما ذكر أن الهدف المركزي هو زيادة «الفتك» للجيش الأميركي.
من الأيام الأولى لتأسيسها، شجّعت «غوغل» الموظفين على التحدث عن قضايا تتعلق بالشركة. وفي الآونة الأخيرة، اندلع جدل ساخن بشأن جهود الشركة، إذ قام موظفوها بتوزيع عريضة احتجاج على مجموعة من القضايا، بما في ذلك «غوغل +»، المنافس المتخلّف لـ«فايسبوك»، وأيضاً رعاية «غوغل» لمؤتمر العمل السياسي المحافظ.

«مشروع مايفن»
طرح الموظفون أسئلة عن مشاركة «غوغل» في «مشروع مايفن»، وذلك في اجتماع عقد على مستوى الشركة أخيراً. في ذلك الوقت، دافعت ديان غرين، التي تقود أعمال البنية التحتية لـ«غوغل كلاود»، عن هذه الصفقة وسعت إلى طمأنة الموظفين المعنيين. وقال متحدث باسم الشركة إن معظم التوقيعات على رسالة الاحتجاج قد تمّ جمعها، قبل أن تُتاح الفرصة للشركة لتوضيح الموقف.
في ما بعد، وصفت الشركة عملها على «مشروع مايفن» بأنه «غير عدائي» بطبيعته، على الرغم من أن تحليل البنتاغون للصور بالفيديو يُستخدم بشكل روتيني في عمليات مكافحة التمرّد ومكافحة الإرهاب، وتوضح منشورات وزارة الدفاع أن المشروع يدعم هذه العمليات.
وفي هذا السياق، أعلن كل من «غوغل» والبنتاغون أن منتجات الشركة لن تنشئ نظام أسلحة مستقلاً يمكنه إطلاق النار من دون مشغل بشري، وهو احتمال كثير الجدال، نظراً الى استخدام الذكاء الاصطناعي. ولكن يمكن استخدام تحليل محسّن لمقاطع الفيديو للطائرات بدون طيار في انتقاء أهداف بشرية لضربها، مع تحديد هوية المدنيين بشكل أفضل للحدّ من القتل العرضي للأبرياء.

نسعى إلى إنقاذ الأرواح وحفظ الناس
وبدون الإشارة مباشرة إلى الرسالة الموجهة إلى السيد بيتشاي، قالت «غوغل»، في بيان لها يوم الثلاثاء الماضي، إن «أي استخدام عسكري للتعلّم الآلي يثير مخاوف قانونية بشكل طبيعي». وأضافت: «إننا نشارك بنشاط في الشركة في مناقشة شاملة لهذا الأمر». الشركة وصفت هذه النقاشات بأنها «مهمة ومفيدة للغاية»، على الرغم من أن العديد من موظفي «غوغل» المطّلعين على الرسالة لم يتحدثوا إلا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، قائلين إنهم قلقون من الطرد. وقال البيان إن الشركة جزء من «مشروع مايفن»، الذي كان «محدداً بشكل خاص ليكون لأغراض غير هجومية»، رغم أن المسؤولين رفضوا الإفصاح عن طبيعة العقد. كذلك، أشارت وزارة الدفاع إلى أنه نظراً إلى أن «غوغل» متعاقدة في «مشروع مايفن» مع المقاول الرئيسي،ECS Federal، فإنه لا يمكن إعلان المبلغ أو العقد الموقّع.
من جهة أخرى، أفادت شركة «غوغل» بأن البنتاغون كان يستخدم «برنامج التعرّف من مصدر مفتوح متاح لأي عميل من عملاء غوغل كلاود، ويستند إلى بيانات غير سرية». وقالت الشركة: «تُستخدم هذه التقنية لتحديد صور للمراجعة البشرية، وتهدف إلى إنقاذ الأرواح وحفظ الناس من الاضطرار إلى القيام بأعمال شاقة للغاية».

مديرو «غوغل» مستشارون في البنتاغون
يتمتع بعض كبار المسؤولين التنفيذيين في «غوغل» بعلاقات مهمّة مع البنتاغون. يعمل إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة «غوغل»، والذي لا يزال عضواً في المجلس التنفيذي لشركة Alphabet (الشركة الأم لـ«غوغل»)، في هيئة استشارية في وزارة الدفاع الأميركية، وهي مجلس الابتكار في مجال الدفاع، كذلك الأمر بالنسبة إلى نائب رئيس شركة «غوغل»، ميلو ميدين.
في مقابلة نشرت في تشرين الثاني الماضي، اعترف السيد شميدت «بالقلق العام في مجتمع التكنولوجيا، بطريقة أو بأخرى، من المجتمع العسكري الصناعي من استخدام موادهم لقتل الناس بشكل خاطئ، إذا صح التعبير».

منافسو «غوغل» فخورون بالعمل مع البنتاغون
قد لا يشكل عدم الارتياح بشأن العقود العسكرية، والذي أعرب عنه جزء صغير من أكثر من 70 ألف موظف في «غوغل»، عقبة رئيسة أمام نمو الشركة. لكن في مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي، تُنافس «غوغل» شركات أخرى من أجل توظيف أشخاص أكثر موهبة. وبينما تدافع الشركة عن عقودها أمام المعارضة الداخلية، لم يكن منافسوها خجولين من نشر أعمالهم في مشاريع الدفاع. مثلاً، تروّج «أمازون» لعمل التعرّف الى الصور مع وزارة الدفاع، وقد روّجت «مايكروسوفت» لحقيقة أن تكنولوجيا «كلاود» التابعة لها فازت بعقد للتعامل مع المعلومات السرية لكل فرع من فروع الجيش ووكالات الدفاع.
ويركّز النزاع الحالي، الذي نشرته مجلة «جيزمودو»، لأول مرة، على «مشروع مايفن»، الذي بدأ العام الماضي كبرنامج رائد لإيجاد طرق للإسراع في التطبيق العسكري لآخر تقنية الذكاء الاصطناعي. ومن المتوقع أن تكلّف أقل من 70 مليون دولار في عامها الأول، وفقاً لمتحدث باسم البنتاغون. لكن الموقعين على الرسالة في «غوغل» يأملون بوضوح تثبيط الشركة عن الدخول في عقود البنتاغون الأكبر حجماً مع نمو التطبيقات الدفاعية للذكاء الاصطناعي. ومن المتوقع أن تتنافس الشركة مع شركات التكنولوجيا العملاقة الأخرى، بما في ذلك «أمازون» و«مايكروسوفت»، لعقد متعدّد السنوات، بمليارات الدولارات لتقديم خدمات «كلاود» إلى وزارة الدفاع.

الخوف من خسارة المواهب
إن رسالة الاحتجاج الخاصة بالموظفين إلى السيد بيشاي، والتي تمّ تعميمها على نظام اتصالات داخلي لأسابيع عدّة، تُجادل بأن احتضان العمل العسكري قد يأتي بنتائج عكسية، عن طريق إبعاد العملاء والموظفين المحتملين.
«هذه الخطة سوف تضرّ العلامة التجارية لغوغل، بشكل لا يمكن إصلاحه، إضافة إلى قدرتها على المنافسة على المواهب»، تقول الرسالة. «في خضم مخاوف متزايدة من منظمة العفو الدولية، تسعى غوغل جاهدة للحفاظ على ثقة الجمهور». يقترح هذا الأمر أن الشركة تخاطر بأن يُنظر إليها على أنها انضمت إلى صفوف مقاولي الدفاع الكبار، مثل «رايثيون» و«جنرال دايناميكس» وشركة البيانات الكبيرة «بالانتير».
فضلاً عن ذلك، تشير الرسالة إلى أن «الحجة التي تقول بأن الشركات الأخرى، مثل أمازون ومايكروسوفت، تشارك أيضاً، لا يجعل هذا أقل خطورة بالنسبة الى شركة غوغل». وأضافت الرسالة أن «تاريخ غوغل الفريد، وشعارها لا تكن شريراً، ومدى وصولها المباشر إلى حياة مليارات من المستخدمين، تميّزها عن غيرها».

انتهاء زمن المثالية
مثل غيرها من الشركات الناشئة التي تحوّلت إلى الأقوى في وادي السيليكون، تضطر «غوغل» الى مواجهة المثالية التي كانت أساسية في سنواتها الأولى. وقال بول شار، وهو مسؤول سابق في البنتاغون ومؤلّف كتاب «جيش اللا شيء»، وهو كتاب سيصدر قريباً عن استخدام الذكاء الاصطناعي لبناء أسلحة مستقلة، إن الصدام داخل «غوغل» كان حتمياً، نظراً الى تاريخ الشركة والطلب المزدهر على الذكاء الاصطناعي في الجيش.
«هناك روحية تحرّرية قوية بين أهل التكنولوجيا، وحذر من استخدام الحكومة للتكنولوجيا»، قال شار، وهو زميل بارز في مركز الأمن الأميركي الجديد في واشنطن. «الآن، أصبحت الحاجة كبيرة للذكاء الاصطناعي للخروج من مختبر البحوث إلى واقع الحياة»، أضاف.