توقفت عن تناول الكحول منذ 40 يوماً. دواء الاكتئاب الذي أتناوله قبل النوم يشترط ذلك. الطبيبة لم توضح السبب، وأنا لم أستفسر. تقبّلت الأمر واعتبرته مهمة يجب عليّ إتمامها. وبالفعل، فقد تحمّست عندما أدركت أن هناك مهمة جديدة تنتظرني. عقلي يُحب الأحاجي وعمليات البحث وأن يكون بحالة دهشة باستمرار.أنا أقابل فتاة. شعرها «كُرلي»، لونه أحمر، شعرها مصبوغ، ولكن لونه أحمر في النهاية. أكره كلمة «مجعّد»، كيف سمحنا لكلمة كهذه بأن تصف نوعاً من الشعر؟ الكلمة بشعة، سأبقى على «كُرلي». عندما تُميل صديقتي شعرها إلى الجانب الآخر، ينسدل بعضه فوق كتفها، وتحديداً، فوق عظمة الترقوة، إلا أنه يقترب من حواسي كلها. أستطيع أن أرى خفوت الصبغة في بعض أطرافه، وشدتها في أطراف أخرى، وكيف ينعكس شعاع مصباح السقف في المطعم، فوق طاولتنا، على تقوّصات الخصلات الحمراء.
قبل يومين، وأنا على وشك وصولي إلى سيارتي حاملاً نصف فروج بروستد، وكنت سعيداً به جداً، حتى أني كنت ارسم في رأسي كيف سأمضغ قطع الدجاج هذه والمقلية جيداً- يومها لم آكل شيئاً طوال النهار، أخذني العمل وأمور أخرى- المهم، وأنا مسرع إلى سيارتي من المطر نادتني امرأة في الشارع: «يا مُسيو، يا مُسيو» التفت ورأيتها، بدت في الأربعينيات من عمرها، وكانت مضطربة، قلقة. اقتربت مني.
نعم؟ قلت.
«ولادي بلا أكل، ساعدني إذا بتريد».
كان الجو بارداً جداً. تسمّرت مكاني. شعرت بقشعريرة تسري في أنحاء جسدي، وقلبي انقبض فجأة. وجدتني أنظر إلى حذائي. طأطأت رأسي، أنا لم أقوى على النظر إلى وجهها.
أولاد بلا طعام. سيطر المشهد عليّ. المشهد عنيف، كفيل ليسيطر عليّ حتى بعد انقضائه، يسيطر عليّ أثناء كتابتي الآن. أعطيتها بعض النقود التي كانت في حوذتي. شكرتني ورحلت. كيف يكمل المرء حياته بعد حادثة كهذه؟ أبناء الطبقة الوسطى يطلبون المال ويتسوّلون أيضاً لكن بدون ذكر الله. هم يكتفون بمصطلحات ركيكة، مهذبة، «غنوجة»، تدلّ على مكانتهم «الرفيعة». يعلمون أن الله لن يفيدهم، على عكس الفقراء الذين يتّكلون على الله، الذين يتضرعون إليه. الفقراء يستحضرون الله عندما يطلبون المساعدة منك. كأنهم في تسوّلهم، عندما يناجوك مستحضرين الله وسط كلامهم ويدعون لك، يكونون بالأحرى يتكلمون معه. أعتقد أنهم يتكلمون مع الله من خلالك.

تصميم «ميدجورني» (ذكاء اصطناعي)، «رجل قلق يحتسي الويسكي في غرفته»

أنا ممنوع من الكحول. لا مفر، لن أستطيع الهرب من هذه الليلة. أتنهّد. آه، لو بإمكاني أن أتجرع بعض الويسكي الآن. كم أنا مشتاق إلى مذاق «جاك دانيالز». تلك المرورة الممزوجة بالسُكّر والفحم، وشيء من الفانيليا. أنا أكره ألوان الويسكي الفاتحة على فكرة. مذاقها يقززني. تباً! أنا مشتاق للـ«جاك دانيالز». إن أجمل ما في الوصول إلى حافة السُكر هو تلك الدقائق التي يصفى فيها الذهن. يهدأ عندها كل شيء. يتلاشى القلق والخوف. تشعر بالروح تطوف من حولك. كنت أستغل هذه الأوقات كي استمع إلى الموسيقى، الروك إند رول تحديداً. في الواقع، لن يفهم الموسيقى من لم يثمل. ضربات الطبول واهتزازات الأوتار تمتزج مع الروح ويتداخل ذلك كله في نسيج الكون. يهتز العالم، ينضغط ويتمدد، مثل انقباضات الكليتوريس عندما يجمّر، ويَطلب أن يُبتلع. هناك شيء من الله في الويسكي.
الحياة باتت قاسية، مثل خبز جاف. مضغه يشبه مضغ الرمل، واللعاب يجعل منه شيئاً أقرب إلى الوحل. لكن، هناك أمرٌ حفر بداخلي في ذلك اليوم؛ أنا لم يطلب أحد مني المال. حدث ذلك للمرة الأولى عندما نوديت بـ«مُسيو». أنا لست «مسيو»، أنا كائن قلق، ابن عملية تطور عشوائية مذهلة، مركب من مزيج من مخلفات الغبار النجمي، أنا «رميةُ نردٍ على رقعةٍ من ظلام». وما أبلغ محمود درويش!
مكتوب على علبة الدواء جملة أشبه بنصيحة تقول «يمكن أن يؤدي الجمع بين بروزاك والكحول إلى إحساس كبير بالتخدير. تناول كأس واحدة مع بروزاك من شأنها أن تسبّب النعاس الشديد. ويمكن أن يؤدي هذا التأثير إلى مواقف خطرة. وتشمل هذه المواقف: ضعف اتخاذ القرار، وزيادة خطر السقوط والإصابات».
أنا أحسد المؤمنين بالله. أيامهم تمر بشكلٍ أسهل، ثم إن فكرة وجود كيان له قدرات لا محدودة، يستمع إليك كل مساء، هي فكرة رائعة، تبعث بالطمأنينة وتخفف القلق من الأمور القادمة. الأمر هنا مثل الـ«بروزاك» تماماً. يبدو أن الله يأتي في هيئة حبوب أيضاً. لكن صديقتي، ذات الشعر الأحمر، هي مختلفة جداً. في ظلّ الـ«بروزاك»، غياب الله وتوقّفي عن الويسكي، فهي وحدها التي أفكر فيها، وباستمرار.