«الرحم مثل حيوان داخل حيوان» - أريتايوس
عادة ما يصل التنين ليلة اختفاء القمر. أشعر بوخز في ساقي اليسرى، إشارة تبدأ قبل ساعات قليلة وتنذر بأن التنين على وشك الوصول، ثم تبدأ الانقباضات أسفل بطني بقليل، وتنتقل إلى ظهري مع شعور قوي بالصداع وانتفاخ في الصدر ويبدأ مزاجي بالتأرجح. هذه ظاهرة عالمية، كونية، تعيشها النساء أينما كنّ، إلا أنها تبقى في الوقت عينه تجربة ذاتية للغاية. هناك العديد من الاستعارات والرموز المناسبة التي تصف هذه الظاهرة مثل تدفّق النهر أو ثوران البركان. يصدف أن تكون تجربتي بالتحديد مضنية من شدة الألم، وكأن رحمي يستضيف تنيناً مرة كل شهر، ويتماشى هذا التصور مع وصف أريتايوس، وكأن شيئاً ما يتحرك في داخلي وينزلق ويمرّ عبر أرجاء جسدي. يتسلّل كثعبان، يزحف، وهو يغيّرني كما يغيرنا الألم جميعاً.
لربما خمّنتم الموضوع الذي أتحدث عنه، لكن لو كنا في أثينا وعدنا في الزمن إلى القرن الثاني الميلادي، أو إلى أميركا الشمالية في القرن التاسع عشر، فسأخبركم عن حالة «الهستيريا» التي تصيبني مرة كل 28 يوماً (لكن وبما أننا في القرن الحادي والعشرين فما أتحدث عنه هو دورتي الشهرية). لماذا «الهستيريا»؟ هذه الكلمة مشتقة من الكلمة اليونانية «هيستيركوس» والتي تعني «من الرحم»، فيما تعني الهستيريا «الرحم».

(رسم: ميليسا شلهوب)

افترض فلاسفة الطب الإغريق مثل أريتايوس أن النساء يقعن فريسة «الرحم المتجوّل» ووفق تصوّرهن يهاجر الرحم إلى مناطق أخرى حول الجسد ويضغط على الأعضاء الداخلية الأخرى مسبباً مختلف الأمراض. لقد بنى أفلاطون تصوره على هذا الأساس أيضاً حيث رأى أن الرحم يصبح غاضباً في حال لم يستقبل جنيناً، فيقوم بإغلاق الممرّات ويعرقل التنفس. في أيامنا هذه تستخدم مفردة «هستيريا» لوصف شعور مبالغ فيه، أو انفعال لا يمكننا السيطرة عليه، وبفضل العلم الحديث، أصبحنا نعلم أن الرحم الغاضب الذي تصوّره أفلاطون ليس إلا رحماً فارغاً يذرف بطانته لغياب الحمل خلال الشهر.
مع أن وصف القدماء للرحم والأمراض التي يتسبب بها لم يكن دقيقاً، إلا أنهم لم يخطئوا تماماً. كان أفلاطون محقاً في استنتاجه بأن «المشكلة» أو السبب الكامن وراء هذه الظاهرة هو فراغ الرحم. إن رحمنا يذرف بطانته استجابة لغياب البويضة المخصبة، وفي حالتي أنا تحديداً، فإن استجابة جسدي عنيفة للغاية وتكاد تشبه انتقاماً أو عقاباً يشنّه جسدي عليّ لأنني لست حاملًا. لخص أريتايوس هذه الحالة في قوله «حيوان كامن داخل حيوان».
هناك مجموعة من الأدوية المناسبة للأشخاص الذين يعانون مثلي، أي النساء اللواتي تكون انتقالاتهن مؤلمة دائماً، كالبنادول والريفانين والأدفيل وغيرها. لا أحبذ استخدام مسكنات الألم ما لم يكن الأمر ضرورياً للغاية، خاصة أنها من صناعة الأشخاص أنفسهم الذين استمروا في وصف كل ما تعاني منه النساء بدءاً من الصداع ووصولاً إلى الرغبة الجنسية، بالهستيريا، وذلك على مدار ألفي عام تقريباً.
ولكي أكون صادقة، أجد متعة في شعور الألم هذا، عندما يزورني التنين ويسكنني. أحب أن أغوص في الألم. أحب أن أشعر بالثقل والبرد الذي يولّده في داخلي، وبفقدان الرغبة في الحديث أو رؤية أي أحد. تأتيني الركلات الداخلية وتتجول في أماكن مختلفة - أسفل معدتي وصدري ومؤخرتي وظهري – وأشعر طوال الوقت بوجود كرة سميكة لزجة ومجنونة تتلوى في قاع أمعائي. هكذا أعيش أيام الدورة الثلاثة الأولى، ثم تنحسر موجة التشنجات في الأيام الأربعة التي تليها وتصبح شبه معتدلة.
في البداية، كرهت أنني فتاة عند دورتي الشهرية الأولى. كان زملائي الذكور يتمتعون بالحرية أكثر مني، والآن جاء الدور لكل هذا الألم والدم؟ هذا ليس عادلاً. الأسوأ من ذلك أن تلك الفترة كانت مجرد تمهيد لما سيأتي بعدها. إن بلوغ الدورة الشهرية لا يعني فقط النزيف مرة واحدة في الشهر، بل يعني أن تصبح الفتاة امرأة، وهنا ينفتح الباب أمام كم مهول من الألم من نوعٍ آخر (كل ذلك باسم الجمال الذي يجب أن تتمتع به الـ «امرأة »): نتف الشعر وإزالته بالشمع، ارتداء الكعوب العالية وبنطال الجينز الضيق. لكن ألم التنين هو أسوأهم على الإطلاق.
كما أشرت سابقاً، بدأت الاستمتاع بتجربة الحيض خلال هذه الأيام. ليس لأنني مازوشية، مع أنني أجد أحياناً متعة في الألم، بل لأنني أعلم أنه بينما يبدو الأمر وكأنه يأكل جزءاً مني إلا أن الألم، في الحقيقة، يأكل نفسه. هو يستنزف نفسه في الدم المتساقط بين ساقي مثل «طائر برّي محموم يمزق ريشه في لحظة يأس» كما يقول السيد روتشستر لجين، بطلة رواية «جين آير» للكاتبة البريطانيّة شارلوت برونتي. لكن الرحم طير فريد من نوعه، هو كطائر الفينيق الذي يعيد بناء نفسه من رماد ريشه، لأنه بمجرد أن يذرف طبقة واحدة، يباشر ببناء الطبقة التالية. أشعر بالقوة بعد كل دورة، كما لو أنني انتصرت على شيء ما، لقد نجحت بتخطي التحدي الشهري، وروضتُ الوحش الذي يعيش ويموت في بطني وكبحت جماح الحيوان الكامن بداخل الحيوان، وعشت لأروي الحكاية.