تتوسّلُ الشذْرةُ إلى الصمت، على الرغم من أنّها ناطقةٌ في النهاية، ولو بالوجيز، والمُبعثر كذلك في أحيانٍ كثيرة، تتوسّل إليه راجيةً معرفتَه وفهمَه والانسياب مع فلسفته ربّما، وإذ تقبَع في الخفّة شكلاً فإنّ ذلك لا يُعينُ في كشف التِباس أحوالها وتيْهها وتقوقُعها، ولا يعْني حصرَها والقبضَ على ما ترمي إليه بخفّة تُشاكلها وتهزأ بها. الشذْرة صعلوكٌ لغوي، فيها تنقلبُ اللغةُ على ذاتها الفائضةِ المسترسلةِ عادةً، يُقصى الحشو، تُصفّى شوائب الثرثرة، وهذا وجه لها، إذ هي في أساس نُطقها اجتيازٌ وخروجٌ لا سبيل إلى حصر أشكاله بسهولة، وهي حتماً تعود باللغة إلى سيرتها الأولى؛ خواء يستفهمُ ويتساءل ويُتأتِئ على ضِفاف المعاني.
تأليف للفنان السوري جوني سمعان (أكريليك على كانفاس - 2018)

ومن الخواءِ المُتسائل وإليه نعود، نتململُ في أيامنا، وذاهلين من أثر السُّعار الكوني أمام ومضات شاشاتنا نحاول التمسّك بالنهايات ونقرأ شذرات كما يُصوّر لنا، سريعةً خاطفةً حادّةً كنصلٍ، وكأني بالصمت والكلام متحدان ملتبسان، وجهٌ واحد أوحد بلا قفَا.
هنا؛ أدنى الثرثرة المُنقلبة المتقلّبة الغائمة عنها (الشذرة)، أحاول نطقاً فائضاً ما (ربّما يكون شذرياً).

في الفراغ نحلم ونُزيل ونشترط على العالم أوهاماً وتُسعدنا الرؤية.
ابتسمْ، أنت في الفراغ ولا شيء سواك. يا لغِرّة ما قُلت.
المفردات تتأنّق، تتزيّن برغبات لا متناهية، قمْ قِفْ على ضفة الشارع ولنرَ الوقت.
دخان ومرايا وصورتُكَ المحمومة.
عرشٌ للإخصاء، قرابينُ للهواء المحض، وآلاف المشاهد المنتهية، وما هذا الحنينُ العتيق؟
الشارع قفلٌ، بخّره بدخان سجائرك.
ما وراء وجهٍ، أين تركنَا الثّقابَ؟
كيف تقصّ أحوالَك والحديدُ يئنّ؟
وهمٌ، أيها الزمن الآخر.
وجهكَ الساقط كلّ صباح.
ربُّ الجنود يتمطّى تحت ضوء الشارع المطفأ.
حلمٌ مكبّل، سئمنا تحت عينيكِ.
ما الفرح؟
لذائذُ مقتولةٌ، والسوط برهانٌ على لا شيء.
أوراقٌ مهترئة وأخرى بضّةـ كُلّها شهيٌّة، افقأ عينيكَ سريعاً.
جلودٌ محمرّة مهترئة، أصابعُ متورّمة، عظامٌ منسحقةٌ تحت شجرٍ يابس، سنقِفُ بيننا.
لا ألمَ، لا أدري. ما هذا الذي نحن فيه؟
لا نجاةَ من الكلمات، سهامٌ ثاقبة ودوار مأزوم.
النقطةُ بحرٌ لا نهائي، كما يعلمُ الحوتُ اللعين.