أثار الإعلان عن مشاركة مئات من قوات النخبة في الجيش الإيراني في المعارك الدائرة في سوريا موجة من التكهنات، وصل بعضها إلى الحديث عن خلافات في طهران بلغت مستوى من الحدة انعكس ميدانياً على الجبهة في بلاد الشام. وكأن في الجمهورية الإسلامية مراكز قوى متعددة، وأوامر عمليات تصدر عن جهات مختلفة.نقاش يبدو واضحاً أنه «يتحدث عن عالم آخر»، على ما تقول مصادر إيرانية رفيعة المستوى، توضح أنه بحسب الدستور المعمول به للجمهورية الإسلامية، فإن «الولي الفقيه هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي يعين منفرداً قائد الجيش وقائد الحرس، كما يعين قادة القوى (البرية والبحرية والجوية...) في كليهما». بل أكثر من ذلك، تضيف أنّ مرشد الثورة «هو من يعين نواب هؤلاء القادة باقتراح منهم».
أما أمر العمليات فمحصور به، ذلك أن «رئيس الأركان في التنظيم العسكري في إيران ليس سوى منسق بين الحرس والجيش، وبين الأذرع المختلفة للقوات المسلحة». حتى وزير الدفاع «دوره يختلف عن دوره في الدول الأخرى. هو في إيران مندوب القوات المسلحة لدى الحكومة، لا العكس، مهمته محصورة بأمرين لا ثالث لهما: الأول، تحديد الموازنة العسكرية، والثاني إدارة مصانع الأسلحة، من هنا جاء اسم تلك الوزارة: وزارة الدفاع ودعم القوات المسلحة». الأمر نفسه ينسحب على المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يعتبر في إيران «صانع قرار وليس مقرراً. هو يقدم اقتراح قرار، ولا يصبح كذلك إلا بعد مصادقة المرشد الأعلى عليه».
وبحسب الدستور نفسه، على ما تشرح المصادر السالف ذكرها، فإن «القوات المسلحة الإيرانية تنقسم إلى قسمين: الأول هو الجيش ومهمته الحفاظ على وحدة الأراضي الإيرانية وحماية الحدود من أي عدوان خارجي. أما الثاني فهو الحرس الثوري، ومهمته الحفاظ على الثورة على جميع المستويات، العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية».
إذا كان الأمر كذلك، فما علاقة الجيش الإيراني بالقتال الدائر في سوريا؟
تقول المصادر إن «الجيش في حمايته للحدود كان يتبع الأسلوب الكلاسيكي للجيوش. لكنه اكتشف خلال الفترة الماضية أن تلك الحدود ستواجه خلال الفترة المقبلة تحديات غير كلاسيكية»، موضحة أنه «خلال السنوات الماضية، خاض الجيش العديد من المواجهات المسلحة لصد دخول إرهابيين عبر الحدود المشتركة مع العراق». وأضافت أن «قراراً اتخذ قبل فترة بالانتقال من المواجهة الكلاسيكية إلى أسلوب الحرب غير المتكافئة».
بناءً عليه، تقول المصادر إنّ القيادة في إيران ترى في «مشاركة قوات النخبة في القتال في الساحة السورية تجربة مهمة للتدريب على مواجهة المخاطر الجديدة في الميدان مباشرة. الهدف الأساس منها اكتساب خبرة واقعية، لا يمكن الوصول إليها من خلال المناورات». تضيف أن «قوات النخبة هذه هي من الأعرق في الشرق الأوسط، حتى من قبل الثورة الإسلامية حيث تم إنشاؤها وتدريبها على أيدي البريطانيين، وهي بالتالي قادرة على تقديم المشورة للجيش السوري والمتحالفين معه، وخاصة قوات الدفاع الوطني»، مشيرة إلى أنّ «الحرب في سوريا أصبحت حرب مدن وقتال شوارع، وهذه القوات قادرة على تقديم المساعدة للجيش السوري في هذا الإطار». أما الهدف الثالث، ولعله هدف بعيد المدى، «فهو استطلاع الساحة السورية استعداداً لمرحلة ما بعد الاستقرار، حيث ستبرز الحاجة إلى قوات حفظ سلام لا إلى قوات قتالية، وهي مهمة لربما توكل إلى الجيش الإيراني للقيام بها».