دمشق - الساعة تشير إلى السابعة مساء في ساحة العباسيين. حركة السير تكاد تنعدم. سائقو سيارات الأجرة يتجنّبون المنطقة خوفاً من القصف العشوائي، والجميع يتفادى المرور في ساحة باتت هدفاً يومياً لقذائف الهاون التي تطلق من جوبر المجاورة. تكمل المسير داخل حيّ القصاع. هنا، تقفل المحلات أبوابها باكراً. أمر لم يعتد عليه سكان تلك المنطقة.
الناس يسيرون تحت الأسقف تخوفاً من قذائف الهاون. يقول رامي، أحد سكان المنطقة: «أصبح السكان في شكل عام يفضلون البقاء في بيوتهم أو التنقل في شكل محدود، خصوصاً في الفترة الأخيرة بعد بدء استهداف المنطقة مباشرة». تصل إلى أسوار دمشق القديمة، الأضواء خفيفة والحركة قليلة عند مداخلها. في باب توما وباب شرقي ينتشر عناصر الجيش السوري و«الدفاع الوطني» خلف متاريس من الرمل، فيما ينتشر عناصر «اللجان الشعبية» المشكلة من أهالي المنطقة داخل الأحياء. في الحارات القديمة، لا تزال المطاعم والمقاهي تستقبل الزبائن ليلاً على نحو شبه طبيعي. ترى رزان التي تسكن إحدى تلك الحارات أنّ التردد على هذه الأماكن هو نوع من استمرار الحياة. وتقول: «رغم كل ما يحدث حولنا، نحاول دائماً أن نفعل ما اعتدنا عليه. فداخل الأحياء القديمة لا تزال المقاهي تنظم الحفلات الموسيقية والأمسيات الشعرية». وتلفت إلى أنّه لم يعد مستغرباً أن يصادف، في يوم واحد، مرور جنازة أحد الشهداء صباحاً، وارتفاع الموسيقى من المطاعم ليلاً في حفلة زفاف.
بالانتقال إلى الشعلان وشارع الحمرا، يجب المرور عبر شارع بغداد الفاصل بين المناطق القريبة من خطوط التماس والأحياء البعيدة عنها. تجتاز الشارع الخالي من حركة المرور لتصل إلى مركز المدينة، حيث كثير من المؤسسات الرسمية، مثل مجلس الشعب والمصرف المركزي ومراكز أمنية مختلفة. تنتشر الحواجز عند المداخل في منطقة استهدفت بانفجارات عدة. في العاشرة مساء تفتح المحلات أبوابها للزبائن، وتكمل حركة المارين بين الأحياء التي تصل من شارع الحمرا إلى الشعلان. هنا تُسمع أصوات القصف بعيدة نسبياً، وتُستهدف المناطق بقذائف الهاون بين فترة وأخرى. يقول أحمد، صاحب متجر في الشعلان: «إن وجود مؤسسات الدولة الرئيسية في منطقتنا دفع بالأمن والجيش إلى تأمين الحماية لها، خصوصاً بعد الانفجارات التي استهدفت ساحة السبع بحرات، ما دفعهم الى إغلاق بعض مداخلها وانتشار الحواجز». لكن الاجراءات المشدّدة لم تمنع مقاهي مثل الروضة والكمال من مواصلة حياتها الطبيعية، مع تغير واحد، وهو أن الجلسات فيها باتت محصورة في النقاش السياسي. ومن الشعلان، امتداداً نحو حيّي أبو رمانة والمالكي المعروفين بارتفاع مستوى المعيشة فيهما، حيث ترتفع وتيرة الاجراءات الأمنية. ففي هذه المنطقة يقع مكتب الرئيس السوري بشار الاسد، وهي لم تشهد أي تظاهرة أو اشتباك، ولا «لجان» فيها أو «دفاع وطني».
إلى المزّة التي أصبحت بعد تقدم الجيش في المعضمية وداريا، بعيدة عن الاستهداف اليومي بالقذائف. يقول عمر، أحد سكان المزة: «التنقل ليلاً أصبح أقل خطورة، ولكن هذا لا يمنع من وقوع أحداث أمنية كما حدث قبل أسابيع في انفجار ساحة الأمويين». ولفت الى ان تقدم وحدات الجيش في المناطق القريبة من المتحلق الجنوبي أعطى راحة لسكان المزة، وهي منطقة سكنية وتضم بعض السفارات والقنصليات وبيوتاً لسفراء أجانب.