نيويورك - قد يبدو العدوان الأميركي على سوريا للوهلة الأولى مضرّاً بمصالح إيران الإقليمية، لكنّ إيران بخبرتها الطويلة في شؤون المنطقة أجادت منذ حرب أفغانستان تحويل المصائب إلى فرص، حسب رأي خبراء في الاستخبارات الغربية في تحليل نشر في موقع «ستارتفور» الاستخباري. ويرى رئيس تحرير الموقع أنّ الحكومة الإيرانية طورت استراتيجية معقدة للرد على الهجوم الأميركي. إلى جانب الاستفادة من أنصارها وحلفائها في المنطقة، بما في ذلك بالطبع «حزب الله»، عند وقوع الضربة الأميركية، فإنها ستستغل مواطن الضعف الأميركية لدى الجماعات التكفيرية من أجل الحصول على تنازلات في مواقع أخرى.
في هذا الخصوص، أقامت إيران اتصالات دبلوماسية مع الكثير من اللاعبين على الساحة السورية. كان آخرها الاتصال الذي أجراه رئيس لجنة العلاقات الخارجية والأمن في البرلمان الإيراني، علاء الدين بروجردي، الذي رأس وفداً زار دمشق للبحث في أخطار العدوان الأميركي المحتمل.
قبلها اتصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس حسن روحاني عقب زيارة قام بها وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية الأميركي جيفري فيلتمان. وقد التقى الأخير وزير الخارجية محمد جواد ظريف ودار البحث حول الشأن السوري.
تزامن ذلك مع زيارة نادرة لسلطان عمان إلى إيران، قيل إنّه حمل فيها رسالة «إيجابية» من إدارة الرئيس أوباما للحكومة الإيرانية الجديدة.
ويضيف المحلل إنّ سوريا تمثل ركناً استراتيجياً في المعادلة الإيرانية، وتغيير الوضع فيها يهدد الأمن الإيراني. ورغم أن إيران قد لا توجه ضربة مباشرة إلى الولايات المتحدة وقواتها كردّ، فإنه ينتظر أن ترد بطريقة غير مباشرة عبر وكلاء لها. وفوق ذلك، ستلجأ إلى مناورات معقدة استخدمتها عندما سعت الولايات المتحدة إلى تغيير النظامين في أفغانستان والعراق. إيران خرجت المستفيد الأول من الخطوات الأميركية، وكان وزير الخارجية الحالي محمد جواد ظريف صلة الوصل مع إدارة الرئيس السابق جورج بوش عقب 11 أيلول.
لكن الوضع السوري أكثر تعقيداً. الولايات المتحدة لا ترغب في تغيير النظام خشية سيطرة «القاعدة» ومشتقاتها على الوضع في منطقة حساسة. وهذا ما يفسر ما كتبه حسين موسافيان المقرب من الرئيس روحاني في افتتاحية نشرت في 29 آب الماضي، وقال فيها إن تغيير النظام في كابول يعد الحبر الأزرق للتعاون الجديد بين طهران وواشنطن. ودعا موسفيان إلى تعاون إيراني ـ أميركي يمتد أبعد من سوريا من أجل معالجة أزمات ترزح المنطقة تحتها.
وحسب الكاتب، فإن الضربات المحدودة المحسوبة في سوريا من شأنها أن تقسم المعارضة السورية المسلحة بين مؤيد ومعارض. وهنا تستفيد إيران من خلال حلفائها العراقيين والسوريين واللبنانيين في تنظيم التمرد في سوريا حتى ضمن المجموعات المتمردة. وقد تحتاج الولايات المتحدة إلى التعاون الإيراني في تنظيم الواقع السوري الجديد. فواشنطن تستعد حالياً للحوار مع طهران بشأن برنامجها النووي. والحكومة الإيرانية، التي ترحب بالحوار، تعتقد أنها قادرة على الاستفادة من الوضع السوري وهي تبحث المسألة النووية، لكنها تدرك، في الوقت نفسه، أن ضربة أميركية مهما كانت محدودة قد تؤدي إلى ضعضعة الحكم في سوريا. وهي لا تستطيع، أيضاً، الثقة بالوعود والنوايا الأميركية، التي قد تمضي إلى أبعد من ذلك إذا أدت الضربات إلى تغييرات فعلية على الأرض. لذلك فإن إيران ستزن الاحتمالين وتعمل على أساسهما. وإذا كانت الولايات المتحدة تتمتع بالتفوق الجوي، فإن إيران تتمتع بالتفوق البري في مساحة تمتد من إيران إلى البحر المتوسط. وهي قادرة على تحريك حركات تمرد مستفيدة من خبرتها في العراق. حركات لن تنحصر في سوريا، بل في الدول ذات الغالبية السنية الضعيفة. ففي داخل هذه الدول هناك حركات جهادية متطرفة، من المرجح أن يشتد عودها في ظل التدخل الأميركي.
وإذا كانت الولايات المتحدة غير مستعدة وتتحاشى التورط في نزاع طويل في المنطقة فإنها ستحتاج إلى مساعدة إيران لتفاديه. وإيران حسب رأي المحلل لا تخشى الفوضى في المنطقة لأنها قاومت عشرات السنين من الحصار والحروب والتوتر، وحافظت على صلابة داخلية لا تتمتع بها الدول المناهضة لها في المنطقة. وهي الأكثر استعداداً للاستفادة من الفوضى إذا حصلت في الدول العربية المجاورة.
انطلاقاً من هذا يستبعد المحلل أن تغرق الولايات المتحدة في عملية عسكرية واسعة في سوريا. وإيران حسبت كل الحسابات لأي طارئ. الرياح قد لا تسير كما تشتهي السفن بعد الإبحار، وخاصة في ظل وضع مائع، كالوضع السوري. وضع يمنح إيران بعض الفرص ولا يهددها بمخاطر وحسب.