حلب | عامان مرّا على دخول المسلحين أحياء حلب الشرقية وانقطاع طرق الوصول إلى المقبرة الإسلامية شرقي المدينة، وعلى المقابر التاريخية الموجودة في المدينة القديمة وعلى تخومها. عامان استهلكت فيهما القبور المتزايدة مساحات كبيرة من حدائق المدينة، لتقضم ملاعب الصغار وذكريات الطفولة. لم يعد هنالك موطئ قدم لطفل في حديقة المعري في حي الحميدية التي تحولت الى مقبرة دفن فيها خليط من الشهداء العسكريين والمتطوعين للدفاع عن الحي، مع عشرات آخرين سقطوا ضحايا قذائف الهاون وأسطوانات الغاز التي تنهمر بلا توقف على الأحياء القريبة منها.
وتكاد الحديقة التي تقع وسط المدينة تمتلئ بالقبور التي انتصبت شواهدها بعد طول انتظار بانحسار العنف وتمكن الأهالي من نقل رفات موتاهم إلى المقابر النظامية.
وفي حديقة أخرى غربي المدينة، تنتصب شاهدتان للشهيدين مهند عاصي وزميلته وجارة الطفولة ريان الجسري، الطالبين الجامعيين اللذين استشهدا مع نحو تسعين آخرين معظمهم من الطلاب في هجوم صاروخي للمسلحين على الجامعة دفنا في قبرين متلاصقين في الحديقة التي شهدت ملاعب طفولتيهما، لتزداد القبور يوماً بعد يوم، لتصبح بالآلاف في المتنزهات التي ما عاد الأهالي يكترثون لحالتها البائسة، مع تراجع دور «مصلحة الحدائق».

مكتب دفن الموتى

مكتب دفن الموتى الواقع في الجزء الشرقي من المدينة الذي تسيطر عليه المجموعات المسلحة عاد إلى الحياة بعد طول توقف عن العمل. فرغم محاولات المسلحين استثماره لفترة، إلا أنهم عجزوا عن تأمين هذه الخدمة بعدما انتقل معظم موظفيه التابعين لمجلس المدينة إلى القصر البلدي.
وبعد اضطراب في العمل، جرى نقل ما سلّم من وثائق إلى مقر مؤقت، وبات المكتب يشرف مجدداً على تنظيم دفن الموتى، بعد إحداث مقبرة جديدة بالقرب من «مديرية البيئة» غربي المدينة.
ويقول مدير المكتب علي محو لـ«الأخبار»: «نحاول أن ننظم عملية دفن الموتى، وقمنا بإحداث مقبرة مؤقتة، مشيراً إلى أن «المساحة المخصصة للمقبرة ربما تكفي لمنتصف العام المقبل ضمن معدل الدفن اليومي الذي يبلغ عشرة جثامين».
ويبلغ سعر القبر في المقبرة الجديدة 16 ألف ليرة سورية (80 دولاراً أميركياً)، لكن الكثير من أهالي المدينة يفضلون الدفن في الحدائق القريبة من بيوتهم.

المقبرة الإسلامية

المقبرة الإسلامية في حلب من أكبر المقابر الحديثة في سوريا. صمّمت في بداية القرن الحادي والعشرين لكي تستوعب وفيات المدينة لعشرين سنة، ولتمكن العائلات الحلبية من شراء مساحات كافية لقبور جميع أفرادها، وهي تضم إلى جانبها مقبرة الشهداء. ونظام الدفن فيها هو استمرار لما ساد طويلاً، حيث يعمد الأثرياء وأبناء الطبقى الوسطى إلى شراء مساحة تكفي لأفراد العائلة المنحدرين من جدّ واحد لضمان دفنهم بالقرب من بعضهم البعض، ولإتاحة الفرصة لمن يريد نقل رفات الآباء والأجداد إلى المقبرة الجديدة.
وتمكّن الجيش من تحريرها بداية العام الجاري، إلا أنها بقيت منطقة اشتباكات حيث يحدها من الغرب حيّا هنانو وجبل بدرو.
الحدائق الكبرى نجت من التحول إلى مقابر. الحديقة العامة القريبة من مراكز سياسية وأمنية مهمة حافظت على مساحاتها الخضراء، وكذلك حديقة السبيل، في حين تحولت معظم الحدائق الصغيرة إلى مقابر. حتى إنّ بعض الأهالي لجأوا إلى دفن موتاهم في الجزر الوسطية في الطرق العامة، كما هي الحال في «أوتوستراد الحمدانية»، ففي الأسابيع الأولى لدخول المسلحين إلى المدينة، ساد ذعر واضطراب كبيران، وكان لزاماً على الأهالي دفن الجثث التي بدأت بالتفسخ سريعاً في أي بقعة ممكنة، وكثير منهاً لأناس تعذر الاتصال بذويهم أو نقلهم إلى برادات المشافي.