في معرض شرحه لمزايا «المول» وأهميّته الاقتصاديّة يقول معن الهمّة، مدير أحد «المولات» سابقاً، إن «ترتيب البضائع باحترافية، إضافة إلى الكفالة والضمانة بعد البيع، يغريان الزبائن، كذلك فإنّ المولات تساعد الصناعيين على تسويق منتجاتهم بطريقة أسرع، وبكميات أكبر، مقارنة بالمحال العادية». ولكن يبدو أنّ ذلك لا يشعر به غير عدد ضئيل من سكّان المدينة، وهذا ما تشرحه ناهد (مدرّسة) بقولها: «الناس هنا، وأنا منهم، آخر همومهم افتتاح المول، إنّه شيء يدعو إلى الغرابة. وسط مصائبنا تجد الحكومة، برأسها، الوقت لتدشين المول! هل بات الآن بإمكان ذوي الشهداء تسويق صور أبنائهم بدل الاكتفاء بتعليقها على قضبان الحديقة؟ من سيشتري من هذا المول وفي كل بيت شهيد ومفقود؟ وفوق ذلك ضيق مادي. همّنا هو لقمة عيشنا».
في ظل الأوضاع الراهنة يعاني «المول» من منافسةً من الدكاكين الصغيرة
من هنا لا بدّ من أن يتبادر إلى الأذهان السؤال عمّا تفكّر فيه الحكومة السوريّة حين تقرّر افتتاح مثل هذه المشاريع في ظلّ الظروف المأسوية التي تمر بها البلاد، إذ سبق لرئيس الحكومة، وائل الحلقي، أن افتتح منتجعاً سياحيّاً، في العاصمة دمشق، في 16 آب الماضي، بكلفة بلغت ستة مليارات ليرة سوريّة.
ويلاحظ المراقب أنّ عدد زوّار «مول طرطوس» قد تناقص بشكل لافت بعد أيّام على افتتاحه. ويبدو أنّ الحكومة السوريّة لم تنتبه إلى أنّه في ظلّ الأوضاع الراهنة سيعاني «المول» التجاري منافسةً من الدكاكين الصغيرة، إذ لا يزال، مثلاً، «دكان أبو علي» مقصداً لأبناء طرطوس، فهو ببساطته، ودفتر الديون الموضوع على طاولته، وخياراته القليلة، يبدو مصدر راحة للكثيرين.
الأزمة السوريّة أثقلت كاهل المواطن حتّى بات همّه الأوحد هو تمضية يومه بأقلّ الخسائر الممكنة، ورغم ذلك لا تتردد الحكومة في افتتاح المشاريع السياحيّة والتجارية الباهظة الكلفة، تاركةً المواطن في حال من الذهول أمام التناقضات الكبيرة في أدائها، ما يفسّر عبارات الاستنكار التي يطلقها المواطنون مع كلّ إعلان عن افتتاح واحد من هذه المشاريع.
يبدو أنّ شيئاً من «الفانتازيا» التي ميّزت الأعمال الدراميّة السوريّة لسنوات، أصبحت نهجاً لأداء الحكومة السوريّة التي تروّج لثقافة الاستهلاك عبر مشاريعها التجاريّة والسياحيّة الضخمة، وفي الآن ذاته تدعو مواطنيها إلى التقشّف في مواجهة أعباء الحرب المستمرّة.