لم يخرج مؤتمر بروكسل بنتيجة مرضية للدول الثماني التي دعت إلى «إعادة التقييم» أو حتى للدول المستضيفة للاجئين
غير أن مؤتمر بروكسل، الذي ضمّ حشداً كبيراً من المسؤولين في الاتحاد الأوروبي والدول المحيطة بسوريا إلى جانب الولايات المتحدة وأستراليا وغيرهما، لم يخرج بنتيجة مرضية للدول الثماني أو حتى للدول المستضيفة؛ إذ جاءت تصريحات المسؤولين فضفاضة، وهي تحدّثت عن تعهدات مالية (حوالي 8.1 مليارات دولار، أكثر من ثلثيها قروض، والثلث المتبقي عبارة عن منح) لمساعدة اللاجئين والنازحين والدول التي تستضيفهم، بالتوازي مع تمديد العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا لعام إضافي، والإعلان عن رفض مقترح إعادة تقييم الأوضاع في سوريا وتحديد المناطق الآمنة. ويمثّل ذلك رضوخاً للموقفين الفرنسي والألماني، وتوافقاً مع الموقف الأميركي المعلن والذي يدعو إلى عرقلة أي مساع تنهي الأزمة الإنسانية القائمة، الأمر الذي أثار حفيظة الدول المستضيفة للاجئين، بما فيها تركيا، وهي أكثر الدول التي استفادت من أزمة هؤلاء عندما استعملتهم سلاحاً بوجه أوروبا، وتمكّنت من ابتزاز دول الاتحاد بمبلغ يفوق الستة مليارات يورو، إلى جانب تمرير مصالح سياسية واقتصادية. وفي هذا السياق، أعلن ممثل تركيا الدائم لدى الاتحاد الأوروبي، فاروق قايمقجي، أن الوقت قد حان لجميع الجهات الفاعلة من أجل إعادة ترتيب مواقفها لإيجاد حل شامل للوضع في سوريا، عبر أربعة محاور رئيسية أبرزها تهيئة الظروف اللازمة في جميع أنحاء البلاد لعودة السوريين الطوعية والآمنة والكريمة، واستمرار المساعدات الإنسانية من دون عوائق.
وفتح المؤتمر الذي وصلت مجمل تعهداته المالية، خلال نسخه الماضية والحالية إلى نحو 60 مليار يورو، الباب أمام أسئلة عديدة حول مصير هذه التعهدات ومدى الجدية في تقديمها، خصوصاً أن غالبيتها بقيت حبراً على ورق أو مواد استهلاكية إعلامية من دون أن تلتزم هذه الدول بها، الأمر الذي انعكس بوضوح عبر تقليص منظمات الأمم المتحدة معظم برامجها، وإنهاء عدد كبير منها، سواء في الداخل السوري أو في دول الجوار. ووضع ذلك قضية اللاجئين السوريين ضمن دائرة مفرغة، عنوانها منعهم من العودة إلى بلادهم، أو توفير السبيل لذلك، ومنعهم من العبور نحو دول أخرى، ما يشبه حكماً بالإعدام البطيء. ويأتي هذا وسط صعود مستمر للعنصرية النامية ضدهم في الدول التي تستضيفهم، وعلى رأسها تركيا، التي تقوم بعمليات ترحيل قسرية لهم نحو مناطق الشمال السوري، الذي بات مكتظاً بالمخيمات العشوائية البدائية الخالية من أي مقوّمات للحياة، ولبنان الذي يشهد بين وقت وآخر هجمات على اللاجئين.
ووسط هذا التشبيك الأميركي - الأوروبي بين الملفين الإنساني والسياسي في سوريا، وفرض عقوبات جديدة على البلاد التي مزّقتها الحرب، تشير تقديرات «البنك الدولي» الأخيرة إلى أن نحو 27 % (5.7 ملايين نسمة) من السوريين يعيشون في فقر مدقع، ما يعني بشكل أو بآخر اتساع الأزمة الإنسانية، ومعها اتساع محاولات قسم من سوريّي الداخل السفر نحو أوروبا، الأمر الذي يشكّل مفارقة تحاول الأصوات الداعية إلى استمرار الظروف الحالية تجاهلها.