في قرار يهدف إلى إبقاء «الغطاء القانوني» الداخلي للوجود غير الشرعي للقوات الأميركية في سوريا، أعلنت واشنطن تمديد «حالة الطوارئ» في هذا البلد لعام إضافي آخر، مرفقةً القرار ببيان هاجمت من خلاله دمشق التي اعتبرتها «تهديداً غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية والاقتصاد للولايات المتحدة»، في اتساق مع التصعيد الأميركي الممنهج في سوريا، على مختلف الأصعدة، السياسية والميدانية والاقتصادية. ويُعتبر القرار الذي وقّعه الرئيس الأميركي، جو بايدن، ويسري لعام واحد فقط وفق القانون الأميركي، بطبيعة الحال، تمديداً لسلسلة طويلة من القرارات المشابهة التي بدأت عام 2004، واستكمالاً لإجراءات أميركية تهدف إلى تثبيت الحضور العسكري على الأراضي السورية منذ عام 2015 بذريعة «محاربة الإرهاب»، وإقامة قواعد في مناطق عديدة شرقي البلاد، وتحديداً المناطق النفطية ومناطق زراعة القمح، وفي أقصى الجنوب عند المثلث الحدودي مع الأردن والعراق (التنف). وفي تماثل مع الخطوات السابقة، حمل البيان المرافق هجوماً على إيران، وآخر على الحكومة السورية التي حمّلها مسؤولية الأوضاع على الأرض، معتبراً أن تمديد حالة الطوارئ مرتبط بـ«سياسات وإجراءات الحكومة السورية في تحديد ما إذا كانت ستستمر أو تنهي حالة الطوارئ الوطنية هذه في المستقبل»، وفقاً للبيان.وتأتي هذه الخطوة بالتزامن مع فرض عقوبات جديدة تحت اسم «كبتاغون 2»، تُعتبر استكمالاً لعقوبات سابقة تهدف إلى تقويض قطاع الصناعات الدوائية الذي نجا من الحرب وتمكّن من الاستمرار، بحجة محاربة المخدّرات، في اتجاه أميركي مخالف للاتجاه العربي (المبادرة العربية)، علماً أن الأخيرة نظّمت عمليات متابعة شبكات صناعة وتهريب المخدّرات، وشكّلت غرفة مشتركة بين العراق ولبنان والأردن والسعودية. لكنّ تلك المبادرة تمّ تجميدها في الوقت الحالي، بعد عقد لقاء واحد فقط لـ«لجنة الاتصال العربية» في القاهرة، وتأجيل اللقاء الثاني الذي كان من المفترض أن تستضيفه بغداد الشهر الحالي.
تحاول واشنطن دعم تحركات «قسد» الجديدة لفرض «الإدارة الذاتية»


وإلى جانب محاولتها ضمان استمرار الأوضاع القائمة، ومنع أي خطوات على طريق الحل في سوريا، تحاول الولايات المتحدة دعم تحركات كردية جديدة لـ«قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، لفتح خطوط تواصل مع الدول العربية تهدف إلى فرض «الإدارة الذاتية»، التي ترفض دمشق استمرارها باعتبارها انفصالية. وهي تحركات كشف عنها الرئيس المشترك لـ«مجلس سوريا الديمقراطية» (مسد)، الذراع السياسية لـ«قسد»، محمود المسلط، الذي أعلن أن «مسد» تعتزم فتح مكاتب تمثيل في دول عربية وأجنبية، بما في ذلك في دول «مجلس التعاون الخليجي»، بهدف «تنشيط مسار الحوار السوري»، وفق تعبيره. وأشار المسلط، في تصريحات نشرتها وكالة «هاور» الكردية، إلى أن «مسد» لديها تواصل مع دول مثل العراق ومصر والأردن والسعودية، وتعمل «على توسيع علاقات المجلس مع الدول العربية». وتابع: «لا ننسى أن هناك دولاً عربية قامت بالتطبيع مع النظام السوري، وكان ذلك عائقاً أمامنا، ولكننا نحن جزء من هذه الدولة وهذا البلد»، مضيفاً أنه «يجب أن تكون لنا فاعلية خارجية مع الدول العربية»، على حدّ تعبيره.
وبينما تحاول القوات الكردية المدعومة أميركياً توسيع دائرة علاقاتها بدعم من واشنطن، أعاد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الحديث عن شنّ معارك ضد مناطق تسيطر عليها «قسد» ضمن ما اعتبره «عمليات ضد حزب العمال الكردستاني». وإذ شنّ الرئيس التركي هجوماً غير مباشر على الولايات المتحدة بسبب ما اعتبره «عدم الوفاء بعهود سابقة»، أعاد، خلال كلمة ألقاها بعد اجتماع مجلس الوزراء الرئاسي في العاصمة التركية أنقرة، الحديث عن نية بلاده شنّ عمليات عسكرية في سوريا. وأضاف: «تركنا عملنا في مكافحة الإرهاب بشكل غير مكتمل في سوريا بسبب وعود قطعها حلفاؤنا ونكثوا بها»، لافتاً إلى أنه «عندما يحين الوقت والساعة، سنكمل العمليات». وفي الواقع، يسعى إردوغان، الذي يتمسك بوجود قواته غير الشرعية في سوريا، إلى قضم مناطق جديدة قرب الشريط الحدودي، أملاً في خلق حزام كامل يحيط بالشريط الحدودي، ويحوي مراكز إيواء لدفع اللاجئين السوريين «الموثوقين» للسكن فيها. وسيكون من شأن ذلك تجذير الوجود التركي في المناطق السورية الحدودية، في سيناريو يذكّر بالسيناريو القبرصي، علماً أن أنقرة تعمل على تتريك المناطق التي تحتلها في الشمال السوري، بدءاً من التعامل بالليرة التركية، وليس انتهاءً بفرض اللغة التركية في المدارس والمنشآت التعليمية.
ميدانياً، كشفت الجماعات المسلحة المنتشرة في إدلب ومناطق في أرياف حماة واللاذقية وحلب، عن شنّها ما وصفته بـ«400 عملية» ضد مناطق سيطرة الحكومة السورية، في خرق مستمر لاتفاقية خفض التصعيد التي تُعتبر تركيا أحد الأطراف الضامنة لها. وقالت الجماعات، التي تضم فصائل «جهادية» غير سوريّة وتقودها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة - فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا)، إنها شنّت هجمات «انغماسية»، وعمليات قنص وإطلاق قذائف وطائرات مُسيّرة. وكان الجيش السوري تصدّى لجميع المحاولات السابقة التي فشلت في تحقيق أي خرق في خريطة السيطرة الحالية، وردّ على مصادر الهجمات، كما استهدف، عبر عمليات متواصلة، مخازن الأسلحة ومناطق إطلاق القذائف والمُسيّرات.