ريف دمشق | لا تكاد تخلو «المحاكم الشرعية» في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية من دعاوى قضائية رفعتها التنظيمات المسلحة بعضها ضد بعض بدعوى «البغي»، إذ خلقت المجموعات «الجهادية» مفهوماً جديداً للبغي، فاختزلته ليصبح معبّراً عن كلمة واحدة: «الظلم». ويعود خروج هذا المفهوم إلى العلن لأول مرة على يد قائد «جبهة ثوار سوريا»، جمال معروف، عندما اتهم «جبهة النصرة» بممارسة البغي على تنظيمه ومناطق نفوذه في محافظة درعا منتصف عام 2013، لينتشر بعدها المفهوم بشكلٍ واسع ليطال كافة مناطق النفوذ المتداخلة بين التنظيمات ذات الطابع الإسلامي.
وعلى رغم انتشار المصطلح بكثرة بين هذه التنظيمات، تبقى ماهيته غامضة بالنسبة إلى الكثير منها، ما استدعى استخدامه عند بعضها بشكل عفوي، وهزلي أحياناً. في حديثٍ إلى «الأخبار»، يؤكد الباحث الديني عبد الرحيم حمدان أن البغي في الجهاد «يعني إثبات وقوع الظلم على أحد المجاهدين أو مجموعة منهم، شرط أن يكون الظالم مجاهداً غافلاً وأن تطيح واقعة الظلم هدف الجهاد». ويروي حمدان أن نشوء مفهوم البغي بدأ بشكلٍ غير مكتمل في عصر الخلفاء الراشدين ليدلَّ على الخارجين عن طاعة الحاكم ـــ الخليفة، قبل أن يأخذ المفهوم منحى آخر زمن صعود السلطنة العثمانية، «حينها انتشر مفهوم البغي للحدّ من تجاوزات الولاة بعضهم بحق بعض، وللحفاظ على مناطق نفوذهم».
في سوريا، يتعامل «الجهاديون» مع تعدّي أحد الفصائل على مناطق نفوذهم بشكلٍ متدرج. يشرح أبو سامر، الطالب السابق في كلية الشريعة وأحد مقاتلي «جيش الإسلام»، أنّه «في بداية الأمر يتم إرسال وساطات إلى المجموعة الباغية، وغالباً تكون هذه الوساطات من الإخوة المقاتلين في مجموعات مقربة. يشرحون للمجموعة براهين بغيها، محاولين ثنيها عن ذلك».

يُعتمد على
مجموعات عسكرية ليست معروفة لتلعب
دور الوساطة

وفي السياق، غالباً ما يُعتمد على مجموعات عسكرية ليست معروفة ولا تتمتع بالقوة الكافية لتلعب دور الوساطة، ثم تأتي المرحلة الثانية، بحسب أبو سامر، حيث يُطلب من التنظيم الباغي المثول أمام «المحكمة الشرعية». وهي المرحلة التي تصل فيها الخلافات إلى أوجها، حيث لا وجود لـ«محكمة شرعية» مستقلة، وفي الوقت ذاته لا يستطيع التنظيم، بحسب التقاليد «الجهادية»، رفض المثول أمام المحكمة، لأن في ذلك «إثباتاً لبغيه»، وهنا يفتح الباب أمام التسويف في تلبية دعوى المثول عبر استنباط حجج دينية متنوعة.
في نهاية المطاف، تترك التنظيمات المتخاصمة حول مناطق النفوذ لمجريات الميدان أن ترسم اتفاقاتٍ على حدود كل تنظيم. ويذهب بعض المتابعين إلى اعتبار طلبات المثول أمام «المحكمة الشرعية» بمثابة إشارة من أحد التنظيمات للآخر بضرورة التفكير في اتفاقٍ على اقتسام إحدى ساحات الحرب.

جمال معروف: لا تدققوا!

بداية الشهر الماضي، أوفدت «جبهة النصرة» مقاتلين من «فيلق الشام» إلى قائد «جبهة ثوار سوريا»، جمال معروف، طالبة من التنظيم تسليم قائد «لواء ذئاب الغاب» التابع لـ«الجبهة»، محمد نادر زعتر، وتقديمه إلى «المحكمة الشرعية لجبهة النصرة»، اعتراضاً على ممارسات زعتر المتهم بالسطو على شاحنات النقل والاعتداء على أراضي تابعة لنفوذ «النصرة» في إدلب، حيث نشرت «الجبهة» مقطعاً مصوراً لاجتماع قائدها مع وساطات «النصرة». وفي الفيديو المنشور على «يوتيوب»، رفض معروف تقديم زعتر إلى المحكمة المذكورة. وبدا القائد صريحاً جداً عندما توجه إلى مقاتل «فيلق الشام» قائلاً له: «لا تدقق على جمال معروف إذا عنده حاجز وأخد من سيارة مازوت ألف ليرة سورية، أو عشرة آلاف، بل دقق على من سرق المصنع وسرق آبار البترول وصوامع الحبوب»، في إشارة إلى سرقات «النصرة» في محافظتي إدلب ودير الزور، متسائلاً: «هل من المعقول أن تحاسبونا بسبب حاجز يسرق ولا تحاسبون من هرَّب موارد بلد كامل إلى الخارج؟».