وتزامَن الموقف المصري الحذر نسبياً، مع آخر سعودي مماثل، في وقت كانت فيه الإمارات السبّاقة إلى الاتّصال بدمشق، بعدما كانت قد استعادت علاقاتها معها، وتصدّرت حراكاً عربياً لكسْر الحظر عنها، عبر وساطة مع السعودية، وتعاوُن مع سلطنة عمان التي كان لها دور في تدفئة الصِلات. أمّا الأردن، الذي استرجع علاقاته الاقتصادية مع سوريا، فقد دخل في دوّامة تردّد سياسي، إثر تعثُّر خطّته «اللاورقة» التي قدّمها للولايات المتحدة، والتي تهدف إلى البدء بـ»التطبيع» مع الحكومة السورية بشكل تدريجي، في ظلّ فشل إسقاط النظام، واستعصاء الحل السياسي.
بالنسبة إلى دمشق، تبدو الأمور واضحةً تماماً، وملخّصها: ثمّة وضع إنساني يحتاج إلى احتضان حقيقي
وبدت لافتة، في أعقاب وقوع الزلزال، الاستجابة العاجلة من دول عربية عدّة، سواء العراق الذي فتَح جسراً جوّياً وأرسل قافلة نفطية لتلبية حاجات منظومات الإسعاف وآليات إنقاذ المحاصَرين تحت الركام، أو الجزائر والإمارات التي كانت من أولى الأطراف استجابةً، فأرسلت مساعدات وكوادر بشرية. وفيما أعلن لبنان فتْح مرفأَي بيروت وطرابلس ومطاره لاستقبال المساعدات من الدول التي تخشى إرسالها بشكل مباشر نحو دمشق خوفاً من العقوبات الأميركية، شرعت مصر وأطراف عربية أخرى في إرسال مساعدات وفِرق إنقاذ بشكل متتابع. أمّا السعودية، فقد أظهرَت تريّثاً أكبر، بادئةً بالعمل على المستوى الإنساني عبر فتْح باب جمْع التبرعات وإرسالها، من دون تواصل سياسي علني مع دمشق. على المقلب الآخر، أطلقت قطر حملة إعلامية مدروسة ضدّ الحكومة السورية، في محاولة لاستثمار الكارثة. وظَهر ذلك بوضوح في أداء وسائل الإعلام القطرية أو تلك التي تدعمها الدوحة، والتي نشرت تقارير عدّة تُقارن ما عاشته سوريا خلال الحرب من دمار، بالدمار الذي خلّفه الزلزال، ضمن عملية واعية لاستثارة الأحقاد، ومنْع أيّ انفتاح قد تَخلقه الظروف الإنسانية الصعبة على الأرض.
بالنسبة إلى دمشق، التي وضعت الملفّ الإنساني في صدارة اهتماماتها، مُتجاوِزة السياسة وحساباتها، تبدو الأمور واضحةً تماماً، وملخّصها: ثمّة وضع إنساني يحتاج إلى احتضان حقيقي، ويتطلّب إزالة للعوائق التي تنصبها الولايات المتحدة وحلفاؤها عبر العقوبات المفروضة على سوريا، من أمام عمليات الإنقاذ. غير أن النداءات الإنسانية التي أطلقها مسؤولو الاستغاثة السوريون لم تلقَ حتى الآن آذاناً صاغية بما يكفي، لتبقى الدول المتردّدة أمام اختبار قدرتها على التقدّم نحو دمشق، أو البقاء على المسافة القائمة حالياً. ويعني ما تَقدّم أن الكُرة الآن في ملعب تلك الدول، وأن أيّ محاولة لقراءة مستقبل هذا الحراك مرهونة بإرادة الآخرين لا بدمشق، التي أعلنت صراحة مدّ يدها نحو أيّ دولة عربية، مهما كان موقفها خلال الحرب، ومهما كان الأذى الذي تسبّبت به لسوريا.