مقالات مرتبطة
وتُظهر البيانات الصادرة عن «لجنة الحجّ العليا» التابعة لـ«الائتلاف» أن نحو ثلث السوريين الذين سافروا لأداء الفريضة، خرجوا من مناطق سيطرة الفصائل في الشمال السوري، ويبلغ عددهم 3136 شخصاً، انطلقوا إلى تركيا عبر معبر باب الهوى الحدودي، والذي تسيطر عليه «تحرير الشام» شمالي إدلب، بعد تقسيمهم إلى وفود يشرف عليها مسؤولون بعضهم قياديون في «النصرة». وبحسب «لجنة الحجّ» المعارِضة، فإن تكلفة أداء الفريضة وصلت إلى نحو 4 آلاف دولار، فيما أكدت مصادر معارِضة مطّلعة على آلية عمل مكاتب الحجّ، لـ«الأخبار»، أن التكاليف الحقيقية وصلت في بعض الحالات إلى نحو 10 آلاف دولار، في ظلّ السمسرة التي شابت فرز الأسماء، حيث حدّدت السعودية حصّة الحجّاج السوريين هذا العام بـ10186 شخصاً، تمّ اختيار ثلثيهم بحسب نظام الأكبر سنّاً، والثلث المتبقّي وفق نظام القرعة، الأمر الذي فتح بدوره الباب أمام عمليات ابتزاز لا يمكن ضبطها.
وأدى تحكّم «هيئة تحرير الشام» بملفّ الحجّ في الشمال السوري، إلى حرمان الآلاف من التقدُّم لأداء الفريضة، بمَن فيهم عناصر الفصائل المعارِضة التي تنتشر في ريف حلب وتعادي الجولاني، في ظلّ حالة الخوف من الدخول إلى إدلب والتعرُّض للخطف أو الاغتيال. كما حُرم أيضاً السوريون الذين يعيشون في مناطق «قسد»، والذين لا يمكنهم السفر إلى تركيا، حيث تَوجّب عليهم إيجاد طريقة للسفر إلى العراق والتقدُّم عبر مكاتب تتعامل مع «الائتلاف»، ودفْع آلاف الدولارات أملاً في الوصول إلى مكة، وهو ما يفسّر تسجيل 202 حاجّ سوري فقط من العراق، مقارنة بـ2370 شخصاً من تركيا، و2500 شخص من لبنان.
أدّى تحكم «هيئة تحرير الشام» بملفّ الحج في الشمال إلى حرمان الآلاف من التقدُّم لأداء الفريضة
ولا تُعتبر عمليات السمسرة في ملفّ الحجّ الذي تلعب العوامل السياسية والإيديولوجية دوراً كبيراً فيه، أمراً طارئاً أو حديثاً، إذ تشير المصادر إلى أن هذا الملفّ، ومنذ تسليمه لـ«الائتلاف»، تحوَّل إلى تجارة تسيطر عليها بعض الشخصيات النافذة في المعارضة، خصوصاً أن «لجنة الحجّ»، ومنذ تأسيسها، تمّ اعتبارها إدارة مستقلّة مادّياً وإدارياً، ما سهّل التحكّم بها، وأتاح سمسرات بملايين الدولارات خلال الأعوام الماضية. وتراجعت هذه السمسرات خلال العامَين الماضيَين بسبب وباء «كورونا»، لتعود وتنشط العام الجاري بشكل كبير، على الرغم من تخفيض حصّة سوريا من نحو 22 ألف حاج سنة 2019 (وهي الحصّة نفسها تقريباً التي كانت تُمنح لسوريا قبل اندلاع الحرب)، إلى النصف تقريباً في عام 2022.
ويُعتبر ملفّ الحجّ، في شقّه السياسي، إحدى أدوات الضغط التي تستخدمها السعودية، المتردّدة تجاه عودة علاقتها مع سوريا، بعد سنوات من دعم الفصائل المسلّحة ومحاولة إسقاط النظام. وإذ تُبذَل جهود عديدة في سياق إعادة العلاقات بين الرياض ودمشق، تقودها روسيا والإمارات، وتلعب سلطنة عمان دوراً بارزاً فيها، تستمرّ المعارضة في استغلال هذا الملفّ، سياسياً لإبراز حضورها، واقتصادياً عبر عمليات السمسرة والإتجار، بعد ضمان حصة الجولاني الذي يتحكّم بجميع المفاصل الاقتصادية في مناطق نفوذه في إدلب التي يسيطر عليها منذ عام 2015، ومن بينها المعبر الحدودي الذي يشكّل مصدر دخْل وموقع نفوذ كبير له بمباركة تركية.