مهّد المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسِن، للجولة الثامنة من اجتماعات «اللجنة الدستورية»، بزيارةٍ لدمشق، التقى خلالها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، والرئيس المشترك للجنة مناقشة الدستور أحمد الكزبري، والسفير الروسي في دمشق ألكسندر يفيموف، وممثّلين عن المجتمع المدني. إلّا أن بيدرسن، الذي باتت زياراته «دورية وروتينية»، لم يحمل معه أيّ جديد، باستثناء إشارته إلى العفو الرئاسي الذي يتعلّق بـ«الجرائم الإرهابية» باعتبار انعكاساته «جيّدة». وعلى عكس زياراته السابقة، لم يَظهر بيدرسن شديد التفاؤل، إذ انتقى كلماته بعناية خلال حديثه إلى الصحافة، مشيراً إلى أن النقاش مع المقداد «كان جيّداً جدّاً... بحثنا في الملفات المتعلّقة بالقرار الأممي 2254، وناقشنا التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها الشعب السوري، وكذلك ملفّ المهجرين في الداخل واللاجئين». وتابع: «أتمنّى أن يكون الاجتماع (جولة الدستورية) جيّداً، وأن نتقدّم من خلاله للعمل على بناء الثقة وتطبيق القرار 2254». وعلى غرار الاجتماعات السابقة، يشارك في الاجتماع 45 عضواً يضمّون ممثّلين عن الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني، للتوصّل إلى ورقة مبدئية يمكن البناء عليها في خطوات لاحقة لتقديم دفعٍ لمسار حل الأزمة السورية، إلّا أن الاجتماعات السابقة لم تصل إلى أيّ نتيجة.وبينما كان المبعوث الأممي يزور دمشق، طفت على السطح شقاقات وخلافات في صفوف الوفد المعارض، إذ طلب بعض أعضائه وضْع شرطَين للانخراط في المحادثات: الأوّل يتعلّق بتحديد سقف زمني لإنجاز عمل اللجنة خلال ثلاثة أشهر، ويدعو الآخر إلى البحث عن مسارات حلّ آخر للأزمة، وهو ما رفضته «هيئة التفاوض» المعارِضة، لأن من شأن الاشتراطات إنهاء مسار «الدستورية» في ظلّ حالة الانقسام الدولية الحالية في مجلس الأمن. ولا تُعدّ حالة الشقاق في صفوف وفد المعارضة أمراً طارئاً، وخصوصاً أن تشكيلاته تعاني خللاً كبيراً في هيكليتها جرّاء التدخّل الدولي فيها، وهو ما حاولت أنقرة، أخيراً، إنهاءه عبر فرض إعادة هيكلة للمعارضة تضمن لها تحكُّماً كاملاً فيها.
لا تُعدّ حالة الشقاق في صفوف وفد المعارضة أمراً طارئاً


وتأتي اجتماعات «الدستورية» المقرَّرة نهاية الشهر الجاري، في وقت تشهد فيه الساحة الدولية نشاطاً متزايداً حول سوريا بعد نحو ثلاثة أعوام من المراوحة التي فرضها الميدان، بفعل استعادة الحكومة السيطرة على مساحات واسعة من البلاد، في وقت ساهمت فيه القرارات الأممية و»مسار أستانا»، الذي ترعاه موسكو بالشراكة مع أنقرة وطهران، في تجميد مناطق السيطرة الحالية كخطوة أولى للانتقال إلى خطوات لاحقة للحلّ. لكن أيّ اختراق لم يتحقَّق حتى الآن، سواء بسبب توسُّع الدور الأميركي الداعم للأكراد المستبعَدين من «الدستورية» ومحاولات فرض مشروعهم، الإدارة الذاتية، كأمر واقع، أو بسبب محاولات تركيا تنفيذ مشروع سياسي واقتصادي في المناطق الحدودية السورية بهدف إحداث تغيير ديموغرافي وإنشاء حزام تابع لها لتوطين اللاجئين السوريين فيه.
كذلك، تأتي هذه الاجتماعات بالتوازي مع مسارات أخرى للصراع، أبرزها «الكباش» الروسي - الأميركي في مجلس الأمن حول آلية إدخال المساعدات الإنسانية المتبعة حالياً والتي تسمح بإدخال مساعدات عبر معبر باب الهوى، إذ تنتهي مفاعيل هذه الآلية في شهر تموز المقبل، وسط رفْض روسي لتجديدها والإصرار على حصْر المساعدات عبر الخطوط، بالإضافة إلى الاجتماع المجدول للدول الضامنة لـ»مسار أستانا» نهاية هذا الشهر أيضاً، والتي ستناقش تطوّرات عديدة، من بينها توسّع الدور الأميركي، بالإضافة إلى التزامات الطرف التركي الذي أظهر ميله الواضح لواشنطن، وهي ملفّات تتشابك بدورها مع مسار «الدستورية»، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام مشهد سياسي وميداني جديد.



«الائتلاف» منقسم... والقرار لأنقرة
شكَّلت زيارة المبعوث الأممي، غير بيدرسِن، لدمشق عاملَ ضغط إضافياً على «الائتلاف المعارض» الذي لا تزال قياداته منقسمة حيال قرار «تعليق المشاركة» في الجولة الثامنة من اجتماعات «اللجنة الدستورية» في جنيف. وبحسب مصدر معارض، تحدّث إلى «الأخبار»، فإن قيادات «الائتلاف» منقسمة بالرأي حول الجولة المقبلة، موضحاً أن سالم المسلط ومن يؤيّده يتعاملون مع الأمر بواقعيّة، وأن ما تريده الدول الداعمة لهذا المكوّن، وخاصة تركيا، سيكون قراراً نافذاً، فيما يجد تيار آخر أن من الضروري أن تتّخذ قيادة «الائتلاف» موقفاً واضحاً إزاء المشاركة من عدمها. وهناك أصوات تطالب بتعليق المشاركة لكون دمشق تمكّنت من تحقيق خطوة مهمّة لفتت انتباه المجتمع الدولي، بعد صدور مرسوم العفو الرئاسي عن جرائم الإرهاب التي ارتكبها سوريون، «بشرط ألّا تكون قد أفضت إلى قتل إنسان». ويتميّز هذا المرسوم بكونه شمل المتوارين أو مَن هم خارج البلاد من دون الحاجة إلى مراجعة أيّ دائرة حكومية، على أن تُشطب أسماؤهم من لوائح المطلوبين بشكل آلي، وهو ما تراه قيادات «الائتلاف» خطوة لمصلحة دمشق. وبحسب المصدر، فإن حجّة عدم المشاركة التي ستدفع بها قوى المعارضة هي «عدم تحقيق خرق في نقاش الدستور، وعدم تقديم جديد للشعب السوري»، غير أن السبب الرئيس هو البحث عن توقيت مناسب أكثر لـ«الائتلاف» لعقْد الجولة الثامنة، تحكمه شروط أساسية، أهمّها إنهاء مفاعيل العفو الرئاسي وإفقاده، بفعل التقادم، قوّته على طاولة الحوار. ويؤكد المصدر أن المعارضة لم تتبنّ أيّ موقف لكون المؤشرات التي تصلها من الاستخبارات التركية تشير إلى إجبارها على الحضور. لكن الملفّات التي ستحملها المعارضة إلى الجولة الثامنة، تعطيلية، إذ ستطالب بمسائل لا تتعلّق بالدستور، من مِثل تشكيل هيئة حكم انتقالي، وتطبيق القرار 2245.
(الأخبار)