طغى صراع السرديات مجدّداً على النقاش المتّصل بالمحتوى الدستوري
كان واضحاً في الأوراق المقدّمة حجم استعانة معدّيها بموادّ من دستور 1950، ومن دستور 2012، إضافة إلى مواد من وحي الاتفاقيات الدولية حول حقوق الإنسان، والتي كان الخلاف حولها شديداً جداً. وبينما بدت النقاشات أقلّ حدّية، بدأت تظهر البنود التي يمكن اعتبارها محلّ توافق بين الأطراف، وظهرت الأمور وكأن الجولة ذاهبة في نهايتها إلى القول: «اتفقنا على كذا وكذا..». وفي المشهد أيضاً، كان الحضور الروسي واضحاً جدّاً وعلنياً، ورافقته لقاءات مع مختلف الكتل الممثّلة للجنة الدستورية، حيث اجتمع المبعوث الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف، مع كلّ وفد بشكل منفصل، وأعرب لأعضائه عن الدعم الروسي لاستمرار عمل اللجنة، من دون تدخّلات خارجية. وفي غضون ذلك، كانت المعلومات القادمة من كواليس الأمم المتحدة، بحسب مصدر أممي تحدّث إلى «الأخبار»، تشير إلى «رغبة دولية واضحة في الخروج بحدّ أدنى من التوافقات في هذه الجولة، حتى لا تُطرح أيّ تساؤلات حول جدوى اجتماع الدستورية، وهو ما كان محلّ قلق للجانب الروسي أيضاً». لكن الأجواء الإيجابية لم تكن لتثمر نتائج في ظلّ عصف الخلافات الجوهرية - والتي لا علاقة لها بالنقاش الدستوري - بأجواء اللقاءات، فكان الصراع حول «السرديات» متقدّماً على الخلاف حول المحتوى الدستوري، ليتكرّر سيناريو الجلسات السابقة، حيث أرادت الحكومة نقاشاً في الخطوط العريضة والمبادئ العامة التي يمكن من خلالها صياغة بنود الدستور، بينما كانت المعارضة ترغب في المُضيّ في كتابة البنود مباشرة.
يلخّص أحد أعضاء اللجنة الدستورية، الذي تحدّث إلى «الأخبار» مفضّلاً عدم الكشف عن اسمه، فشل الجلسة بـ«عدم الارتكاز على التوافقات، إنّما التمسّك بمبدأ: إمّا نتّفق على كلّ شيء أو لا نتّفق على شيء، ومحاولة تحميل اللجنة أكبر من دورها». ويطرح المصدر مثالاً من خلال الأوراق التي قُدّمت، فيقول: «كلّ طرف يعرف أن هناك فقرة متوافقاً عليها قام بطرحها، ولكن حمّلها 3 أفكار أخرى غير متوافق عليها، فشوّه الفكرة وجعلها خارج حالة التوافق، بينما بدا استخدام المصطلحات أهمّ من الأطر العامّة، واستمرّ الصراع على السردية حول العملية التي نقوم بها، وسببها وإلى أين سنصل بها»، مضيفاً أن «المشكلة بين أعضاء اللجنة ليست حول المحتوى الدستوري، وهذا لا يُلغي وجود تقدّم وحالة إيجابية، وأن العملية من الممكن أن تصل في النهاية إلى نتائج، لكن بهذه الطريقة ستحتاج وقتاً طويلاً جداً، وترفاً لا تملكه سوريا». من جهتها، عبّرت الأمم المتحدة صراحة عن عدم رضاها عن نتائج الاجتماع، وذلك في تصريحات للمبعوث الأممي غير بيدرسون، الذي اعتبر أن ما انتهت إليه الجولة «خيبة أمل كبيرة»، قائلاً: «لم نُحقّق ما كنّا نأمل في تحقيقه»، بينما علمت «الأخبار» من مصادر مواكبة لمسار «الدستورية» أن الكزبري والبحرة «عبّرا في اجتماع ضمّ مندوبي الأمم المتحدة عن عدم إعجابهما بالمنهجية المتّبعة في عمل اللجنة»، وهو ما توافق عليه معظم الأطراف المشاركين، بِمَن فيهم الأمم المتحدة، إلّا أن تغيير المنهجية من شأنه أن يُؤخّر تحديد موعد الاجتماع المقبل، خصوصاً بعد الفشل في تثبيت موعد الاجتماعَين القادمَين، واللذين كان هناك شبه توافق على أن يكونا في الشهرَين المقبلين تِباعاً، قبل أن يتلاشى التوافق، وتنتهي الجولة السابقة من دون تحديد خطوة تالية.