كان ميشال صاحب مقولات سياسية هي أقرب إلى المغامرة الفكرية
كان ميشال صاحب مقولات سياسية هي أقرب إلى المغامرة الفكرية، مثل طرحه في أربع مقالات نُشرت في «النهار»، في العُشر الثالث من شهر آب/ أغسطس 2000، أن يضمّ العهد الجديد في سوريا «جناحاً إصلاحياً» يمثّله الرئيس الجديد، و«جناحاً محافظاً» من الذين كانوا في العهد السابق. وأَذكر بأنّي عندما رددت عليه، في مقال تمّ نشره في «النهار» في يوم 10 أيار/ مايو 2002 بعنوان «أزمة المعارضة السورية»، قام ميشال بقطع العلاقة الشخصية معي. في المؤتمر التداولي الذي عقده الحزب، في شهر آذار/ مارس 2001، كرّر ميشال طرح مقالاته الأربع، وهو ما أيّده فيه الكثيرون في المؤتمر، وبعض قيادات أحزاب التجمّع الذين كانوا ضيوفاً في المؤتمر. كما طرح ميشال مقولة جديدة بأن «الحزب هو برنامجه السياسي، وأن الحزب يكتسب هويّته من برنامجه السياسي ولا يكتسبها من المنهج المعرفي التحليلي الذي يقوم بتوليد البرنامج السياسي»، في متابعة لطرح وثيقة نيسان/ أبريل 1998، التي دعت إلى توحيد أحزاب خمسة مختلفة أيديولوجياً في حركة سياسية واحدة. كان كلام ميشال إرهاصاً مبكراً لتنظير اتّبعه التاركون السوريون للشيوعية والماركسية، عندما ردّدوا مقولته تلك وأرفقوها مع مقولة «موت الأيديولوجيات».
في فترة 2000 - 2001، كان ميشال رئيسياً في «لجان إحياء المجتمع المدني»، وكان الحزب الشيوعي (المكتب السياسي) يدعم تلك الحركة للمثقّفين الذين كان الكثيرون منهم على صلات بالحزب وأوّلهم ميشال. وأَذكر عندما صرّح ميشال بأن «بيان الألف» حصد تواقيع تتجاوز الألف، وتحدّاه في ذلك إعلامي وكاتب موالٍ للسلطة بأن يكون لديه أكثر من مئة توقيع، كيف استنجد ميشال بالحزب الذي قام بتأمين أكثر من ألف توقيع بُعثت له عبر شركة «القدموس» من اللاذقية وحلب، بعدما كان ميشال لا يملك آنذاك، بالفعل، كما أقرّ لبعض قيادات الحزب، أكثر من عشرات التوقيعات.
كانت لميشال حركات قفز من هنا وهناك، مثل قفزته من طرح «الجناح الإصلاحي والجناح المحافظ»، إلى المراهنة على الخارج لإحداث تغيير داخلي، عندما صرّح، قبل أسبوع من غزو الأميركيين للعراق، بالتالي: «نعم لشكل التدخّل الدولي الذي قد يخلّص الشعب العراقي من رجل دمّر الدولة والمجتمع، نعم لمعايير ديموقراطية تضعها الأمم المتحدة وتفرضها على كلّ البلدان بلا استثناء» (مقابلة مع منى نعيم في جريدة «اللوموند». النص مترجم في جريدة «النور» التي يصدرها الحزب الشيوعي السوري الموحّد، في عدد 12 آذار/ مارس 2003 بعنوان «مأزق المثقفين السوريين»). في تلك الفترة، كانت إقامة ميشال في الطائرات والفنادق أكثر من بيته في دمشق، وفعلاً هو أوّل مَن طرح فكرة «إعلان دمشق»، بعدما التقى المراقب العام لـ«جماعة الإخوان المسلمين» في المغرب، في الشهر الخامس من عام 2005، وفي ظرف كان الضغط الأميركي فيه على السلطة السورية في أقصاه. ولكن أبو هشام لم يقتنع بفكرة «الإعلان»، إلّا بعد لقائه البيانوني في لندن، في تموز/ يوليو 2005، وكانت الفكرة إيجاد جسم سياسي معارض كبير يلاقي التغيير السوري المتوقع تحت الضغط الأميركي، كما جرى في بغداد ما بعد 9 نيسان/ أبريل 2003، وبيروت ما بعد 26 نيسان/ أبريل 2005. وفي «إعلان بيروت دمشق» (المنشور في «السفير» و«النهار»، في يوم 12 أيار/ مايو 2006)، ثمّة تشابه مدهش في النص مع نصّ قرار مجلس الأمن رقم 1680، الصادر بعد خمسة أيام، والذي أعدّه المندوب الأميركي جون بولتون، وكان ميشال هو العرّاب السوري للإعلان الذي كتبه الوزير مروان حمادة في مكتبه في جريدة «النهار»، وتمّ حمله «ديليفري» للتوقيع في دمشق.
في أثناء الانفجار السوري ما بعد 18 آذار/ مارس 2011، كان ميشال معتدلاً في البداية، وقد شارك في مؤتمر فندق «السمير آميس» الذي شارك فيه مثقّفون معارضون، وكان مرضيّاً عنه من السلطة. كما شارك في مؤتمر حلبون الذي عقدته «هيئة التنسيق»، في 17 أيلول/ سبتمبر 2011، وقدّمت فيه حلّاً تسووياً للأزمة السورية. عندما خرج من مطار دمشق في الشهر التالي، بدأ التطرّف عند ميشال يرتفع تدريجياً، حتى وصل إلى أقصاه عندما دخل في أيار/ مايو 2013 إلى «الائتلاف» ضمن عملية توسعة ذلك الجسم المعارض، والتي سعت إليها السعودية لتحجيم نفوذ الإسلاميين وقطر وتركيا. كان «الائتلاف» وقتها المظلّة السياسية للعسكرة، ويسعى إلى جلب التدخّل العسكري الخارجي، ولم تكن تفصل سوى أشهر عن تصريحات أطلقها معاذ الخطيب وجورج صبرة عن «جبهة النصرة كجزء من الثورة». خرج ميشال خائباً من تجربة «الائتلاف»، وفي سنواته الأخيرة تُلمس في مقالاته وتصريحاته خيبة منَ اصطدمٍ بحائطٍ كبير، ولكنّه لم يستفِد من ذلك ليقوم بمراجعة حقيقية لتجربة 2011 - 2021، وهو مثله مثل كثيرين من المعارضين عندما يقولون إنهم يقومون بمراجعة، ثمّ لا تلمس في نصوصهم أيّ مؤشر لها، بل كلاملالوجيا، كما كان يقول الياس مرقص (كان يلفظها كلاملالوجيا وكان يقول إنها تعني ما تعنيه كلمة autology أي حشو ولغو).
يبقى في القلب والعقل الكثير من المودّة والحب والاختلاف مع ميشال كيلو، في مزيج يتنازع قلبي وعقلي. ولكن يظلّ ميشال كيلو يكثّف في شخصه مزايا المعارضة السورية وعيوبها، خلال الأربعين عاماً الماضية.
* كاتب سوري
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا