شكّلت التسوية الخاصة بمناطق عدة في ريف درعا الشرقي، وتحديداً بلدة بصرى (الشام) ومحيطها، نقطة تفارق لافتة بين الفصائل المسلحة في الجنوب، التي كانت تتطلع إلى «تسوية شاملة» تشمل كامل مناطق سيطرتها في الجنوب، تتيح لها الاحتفاظ بسلاحها ونفوذها هناك. وطوال أمس، كانت أوساط الفصائل الرافضة للتسوية تقود حملة تخوين بحق قائد فصيل «شباب السنّة» أحمد العودة الذي وافق على تسوية محلية تشمل مناطق نفوذه في محيط بصرى فقط. ونقلت تلك الأوساط وعوداً من قادة الفصائل بالمضي إلى الحرب ورفض «شروط الاستسلام» التي عرضها الوفد الروسي، إلى جانب استعادة المناطق التي دخلت في مصالحات بقوة السلاح. غير أن جبهات الجنوب لم تشهد أمس هجمات على حجم التهديدات، وتركزت الاشتباكات في محيط بلدة طفس في الريف الغربي، وفي محيط مدينة درعا الغربي، على جبهة قاعدة الدفاع الجوي، فيما تركّز القصف المدفعي لقوات الجيش على مواقع في النعيمة وغرز وأم المياذن وصيدا والطيبة، شرق المدينة. واللافت أن الحدّة التي تلت فشل «اتفاق تسوية شامل»، لم تنعكس على جبهات الريف الشمالي الغربي، في إنخل ونوى وجاسم، ولا على جبهة ريف القنيطرة. وتقاطع ذلك مع معلومات تفيد بأن الجانب الروسي قد بدأ في التوصل مع عدد من قادة الفصائل هناك، وتحديداً «لواء الفرقان» و«جبهة ثوار سوريا»، بقصد التوافق على تسوية مستقبلية في القنيطرة. وأوضحت تصريحات نقلتها وكالة «فرانس برس» عن مصدر معارض مواكب للمفاوضات، قوله إن «الروس يقدّمون عرض (المصالحة) الذي سبق أن قدموه في كل مكان، مع استثناء أنه لا يتضمن خروج الراغبين» نحو مكان آخر، كما حدث في اتفاقات سابقة.
زار وفد نيابي أميركي مدينة منبج بعد أيام على لقائه أردوغان

وبالتوازي، يواصل الأردن جهوده، على المستويين الديبلوماسي والأمني، لمنع تفجر معركة واسعة في محاذاة حدوده الشمالية، ومحاولة تأجيل أي تغيّر كبير هناك إلى ما بعد اللقاء الأميركي ــ الروسي المرتقب، والذي يفترض أن يكون له دور في تحديد مصير الجنوب السوري. وضمن هذا المسار، يحلّ وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ضيفاً في موسكو للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف، على أن تركز المحادثات على تطورات الوضع في درعا ومحيطها، وبشكل خاص على ملف النازحين الذي يشكل حالياً ضغطاً واسعاً على الحكومة الجديدة. إذ قدّر المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، محمد الحواري، عدد النازحين (محلياً) في الجنوب السوري بـ270 ألفاً.
وتنشّط موسكو قنواتها الديبلوماسية ربطاً بمجريات الميدان السوري، إذ أجرى لافروف محادثة هاتفية أمس، مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، تضمنت الحديث عن الملف السوري وفق ما أوضح بيان وزارة الخارجية الروسية. ويأتي هذا النشاط الروسي، قبل قمة مرتقبة بين الرئيسين، فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب. ونقلت صحيفة «نيزافيسمايا غازيتا» الروسية عن مستشار وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون «الانتقال السياسي في سوريا» فريدريك هوف، قوله إن الاجتماع المرتقب قد يناقش الوجود الأميركي العسكري في شمال شرقي سوريا ضمن مواضيع أخرى. وأضاف هوف أن «الانسحاب المحتمل للجيش الأميركي هو امتياز قد يساعد ترامب على إنقاذ ماء وجهه. وسيكون على روسيا في المقابل تقديم بعض الالتزامات... مثل ضمان أمن إسرائيل والأردن»، معتبراً أن ترامب «مهووس بفكرة سحب القوات» من سوريا. ويتزامن الحديث عن احتمالات سحب القوات مع زيارة لافتة للنائبين في مجلس الشيوخ الأميركي، ليندسي غراهام وجين شاهين، إلى مدينة منبج. النائبان القادمان من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قاما بجولة في المدينة، صحبة قائد القوات الأميركية في سوريا والعراق، بول فانك، وقائد العمليات الخاصة لقوات «التحالف الدولي»، جايمس جيرارد. وقال غراهام لعدد من عناصر «قوات سوريا الديموقراطية»، وفق ما أظهر تسجيل فيديو: «سأقول للرئيس ترامب إنه من المهم أن نبقى هنا لمساعدتكم. أنتم اصدقاء الولايات المتحدة وإذا غادرنا فسيكون ذلك أمراً فظيعاً». وجاء ذلك بالتوازي مع إعلان رئاسة الأركان العامة التركية، تسيير الدورية الثامنة في محيط منبج، بالاتفاق مع الجانب الأميركي.