أفضت معارك اليومين الأخيرين في الجنوب إلى تقدم الجيش السوري وسيطرته على معظم التجمعات المأهولة داخل منطقة اللجاة، خصوصاً أطرافها الجنوبية والشرقية، وتكثيفه قصف البلدات الملاصقة لخطوط التماس في ريف درعا الشرقي. المنطقة التي دخلها الجيش شكّلت لسنوات طريق الإمداد الأبرز لفصائل المنطقة الجنوبية، عبر الصحراء، واستغلها تنظيم «داعش» لتسويق المحروقات التي كان ينتجها من آبار النفط في سوريا والعراق، لسكان درعا والقنيطرة، قبل أن تغلق طرق التهريب بعد طرد التنظيم من شرق طريق السويداء ــ دمشق. وعلى رغم الرهانات التي وضعتها الفصائل المسلحة على أهمية هذه المنطقة الوعرة في خوض معارك استنزاف ضد الجيش السوري، فإن عدداً كبيراً من المسلحين الموجودين في اللجاة، فضّلوا عدم مواصلة القتال. وهو ما حيّد هذه الورقة من يد الفصائل، وفتح الطريق أمام الجيش لتعزيز العمليات جنوباً نحو بصر الحرير والحراك والكرك، وصولاً إلى أم ولد والبلدات المحاذية للحدود مع الأردن. وبدأت أمس، محاولات تقدم على أطراف بصر الحرير الشرقية، بالتزامن مع تصعيد القصف الجوي والمدفعي على البلدة وجوارها، وبخاصة الحراك. ودفعت التطورات الميدانية الفصائل إلى إرسال تعزيزات إلى تلك الجبهة، وأفادت «غرفة العمليات المركزية في الجنوب» والتي تأسست أخيراً لإدارة نشاط فصائل المعارضة هناك، بأن «غرفة عمليات صد الغزاة» أرسلت تعزيزات إلى خطوط الاشتباك في الريف الشرقي، والتي تعمل فيها كل من «غرفة عمليات توحيد الصفوف» و«غرفة عمليات اللجاة». وعلى رغم اجتماع الفصائل تحت راية «العمليات المركزية»، فإن تعدد «غرف العمليات» على الأرض، يعتبر انعكاساً للخلافات السابقة بينها في زمن «خفض التصعيد»، ويؤكد تخوفها من احتمالات «المصالحات» أو «الانشقاقات» في صفوفها، وهو ما يمنعها ــ إلى جانب غياب الغطاء الدولي بالشكل الذي توفّر فيه سابقاً ــ من حشد قوات كبيرة على جبهة واحدة، أو التفكير في شن هجوم استباقي. هذا الواقع يدفع كل فصيل إلى التمركز في البلدات والمناطق التي يملك النفوذ الأكبر فيها، وهو ما قد يسهّل عمليات الجيش في عزل مناطق سيطرة تلك الفصائل عن بعضها.
تعقد «هيئة المفاوضات» المعارضة مشاورات موسعة في الرياض

وبدت لافتة خلال الأيام القليلة الماضية، المشاركة الروسية عبر سلاح الجو في العمليات العسكرية الجارية في ريف درعا الشرقي. كذلك سجّلت عودة سلاح الجو السوري إلى استهداف مواقع في مدينة درعا ومحيطها الجنوبي، الملاصق للحدود الأردنية، والذي يمر عبره «الطريق الحربي» الرابط بين الريفين الغربي والشرقي. وتعمل القوات الروسية بالتنسيق مع الفعاليات المحلية في المناطق المحاذية لخطوط الاشتباك على صياغة مبادرة تتيح للمدنيين الراغبين بالخروج بعيداً عن الاشتباكات نحو ريف السويداء الغربي، في ضوء نزوح أعداد كبيرة خلال الأيام الماضية، وإغلاق الأردن للحدود في شكل كامل. وبينما تؤكد أوساط إعلامية أردنية أن الحكومة تتابع التنسيق مع الجانبين الروسي والأميركي، في محاولة لتعزيز احتمالات نجاح «المصالحات» في الجنوب السوري، بما يجنّب نشوب معركة واسعة النطاق، ينتظر أن يزور مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، موسكو غداً، بعد جولة أوروبية، وذلك لبحث عدد من القضايا المهمة، وبينها سوريا، تحضيراً للقاء محتمل بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب، أواسط تموز. وينتظر أن يكون الوضع في الجنوب السوري واحداً من الملفات الأبرز بين الرئيسين، اللذين أعلنا سابقاً عن اتفاق «خفض التصعيد» في الجنوب. ويحتمل أن يبقى الموقف الأميركي تجاه التطورات على الأرض، على حاله لحين التوصل إلى «تفاهمات جديدة» بين ترامب وبوتين. وخلال هذا الوقت، سيتابع الجيش السوري، وبدعم روسي، التقدم التدريجي في ريف درعا الشرقي، واضعاً نصب عينيه، الوصول لاحقاً إلى معبر نصيب على الحدود الأردنية.
وبالتوازي مع هذه التطورات، تستمر الجهود الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف، في محاولة لتحفيز مسار محادثات «التسوية السياسية» عبر مسار «اللجنة الدستورية»، الذي سيكون بدوره مادة هامة للنقاش بين واشنطن وموسكو. والتقى المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والأردن والسعودية، لبحث الملف السوري. وجرى خلال الاجتماع، وفق مكتب دي ميستورا، التعبير عن القلق إزاء التصعيد العسكري في الجنوب والدعوة إلى «وقف فوري» للعنف. وفي الرياض، تعقد «هيئة المفاوضات» المعارضة اجتماعاً موسعاً، يهدف إلى ترتيب صفوفها، والتوافق على قائمة من جهتها تضم أسماء المرشحين المحتملين لعضوية «اللجنة الدستورية». ونفت «الهيئة» أمس، أن تكون انتهت من إعداد القائمة وسلمتها إلى الأمم المتحدة أو أي طرف آخر. وفي سياق متصل، زار نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إيران، والتقى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وكبير مساعديه حسين جابري أنصاري، الذي يرأس وفد بلاده ضمن الجهود الخاصة بالملف السوري. وجاءت هذه الزيارة بالتوازي مع اتصال هاتفي جمع ظريف ونظيره الروسي سيرغي لافروف، أمس، جرى خلاله التطرق إلى عدد من الملفات، بينها سوريا.