أماكن الاحتجاز الصحراوية مليئة بالأفاعي والعقارب، فضلا عن ظروف الاحتجاز الصعبة، إذ ينام البعض في خيم وزعها متطوعو الهلال الأحمر السوري. كما أن هناك من يحتاج إلى علاج لا يُمكن أن يقدمه المركز الصحي البسيط، في وقت لا يُسمح فيه بخروج أي حالة إسعافية مهما كانت، إلا بعد الحصول على موافقة أمنية. كذلك لم يقدّم الطلاب امتحاناتهم، وانتهت صلاحية إقامة المغتربين وخسروا أعمالهم. يقول موظف ممن علقت أسرهم في أحد مراكز الاحتجاز: «أعيش في دمشق منذ فترة وطلبت من زوجتي أن تترك الرقة وتأتي مع أطفالي لنستقر هنا، لكنهم احتجزوهم. طيب يتأكدوا إذا عليهم شي خليهم يعتقلوهم لكن يحجزون أطفالي بهذا الشكل، وأنا لا حول ولا قوة».
أول ما أجينا كان العسكري يقدر يطالع أهله
«سمسرة واستثمار»
وجد السماسرة ضالتهم في مأساة هؤلاء الناس، وبدأوا عمليات الاحتيال والنصب. وتراوح المبالغ المطلوبة لإخراج عائلة من المخيم بين 100 ألف إلى نصف مليون ليرة سورية. عدد ممن كانوا يملكون مبلغاً من المال، دفعوا كي يخرجوا، ليكتشفوا لاحقاً أن الشخص الذي أخذ المال اختفى. بينما استثمر متنفّذون آخرون مأساة هؤلاء الناس بطرق أخرى، مثل فتح أكشاك قرب أماكن الاحتجاز لبيع الماء وبعض الحاجيات بأسعار مضاعفة.
منذ أيام وصلت دفعة جديدة من النازحين من مدينة دير الزور، وجرى احتجازهم في المكان ذاته، لينضموا إلى أهالي الرقة في مأساة واحدة، غير أن عضو مجلس الشعب الشيخ نواف الملحم استقبلهم ، بينما لم يكلّف مسؤولو الرقة أنفسهم عناء زيارة الآلاف من أهالي محافظتهم، باستثناء زيارة يتيمة منذ أشهر، قام بها رئيس اللجنة الحزبية المؤقتة علي العجيل، لطمأنة المحتجزين أن أمورهم ستُحلّ، لكن وعده لم يتمّ.
يتساءل أحد أبناء الرقة المقيمين في دمشق: «لا أدري لماذا لا يتحرك مسؤولونا لمساعدة الأهالي. تركوهم هناك في الصحراء وحدهم، يُطالبون الناس بالخروج من الرقة وحين خرجوا تركوهم يواجهون مصيرهم وحدهم، لا يشغلهم عن نجدة أهاليهم سوى الولائم، ليس لديهم أي عمل آخر في دمشق».
لا يبدو أن أحداً سيتذكر مأساة هؤلاء المدنيين الذين تورطوا بالخروج من مدينتهم فتاهوا في صحراء كانت ستكون أرحم عليهم من بني جلدتهم. ولا ذنب لهم سوى أنهم حاولوا البحث عن فرصة جديدة للحياة.