بثّ التلفزيون الرسمي السوري مساء أمس مقابلة مع موقوف لدى الأجهزة الأمنية السورية يدعى وافد أبو ترابة، أدلى عبرها الأخير بسلسلة اعترافات حول مسؤوليته عن التفجيرين الإرهابيين اللذين استهدفا محافظة السويداء بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، وسقط على أثرهما عددٌ كبير من الشهداء والجرحى، من بينهم الشيخ وحيد البلعوس.
وبحسب أبو ترابة، فإن عملية اغتيال البلعوس، الذي اشتهر في العام الماضي بمواقف مناهضة للدولة السورية، وما تلاها من تفجير عبوة ناسفة أمام مشفى السويداء الحكومي مستهدفاً عائلات ضحايا التفجير الأول، الذين توافدوا إلى المشفى لتفقّد أقاربهم، تمّت بتكليف من «رئيس المجلس العسكري في السويداء» التابع لـ«الجيش الحر» العقيد المنشق مروان الحمد، والمحسوب على غرفة العمليات الأردنية المعروفة بـ«الموك». وذكر أبو ترابة أن معاونيه في تنفيذ التفجيرين هم أبو مزيد سليم أبو محمود ورامي الحسين الملقّب بأبو مصعب وحمد الصحناوي، بالتنسيق مع وليد الرفاعي، أحد قادة الكتائب المسلحة في المعارضة السورية في بلدة أم ولد، غربي السويداء. وقال أبو ترابة إن مروان الحمد وعده بأن يتم تعيينه خلفاً للبلعوس، بعد اغتياله.
وسرد أبو ترابة تفاصيل عملية الاغتيال، وكيف بدأ التحضير لها قبل أشهر، مؤكّداً أنه في الأيام العشرة السابقة تم تحديد طريق السويداء ــ الجبل لاستهداف موكب البلعوس، بعد دراسة طرقات أخرى كطريق بلدة شقّا، إلا أنه تم اختيار طريق الجبل لبعدها عن المناطق السكنية، وأن التحضير النهائي حصل قبل ثلاثة أيام من التفجير، بعدما تسلم أبو مصعب المتفجرات من الرفاعي من بلدة الأصلحة.
وذكر أبو ترابة أنه بعد الساعة العاشرة ليلاً من يوم الجمعة، تحرّك أبو ترابة مع مجموعة من المسلحين بعد طلب من رجال البلعوس لمعاونتهم، وأنه دخل إلى مقرّ الشرطة العسكرية بعد دخول جماعة «بيرق آل نعيم»، ومن ثمّ توجهوا إلى مقرّ قيادة الشرطة في المحافظة ولم يحصل اعتداء على المقرّ، بعد ذلك توجّه وجماعته إلى سرايا المحافظة، حيث منعهم عدد من الأهالي والمشايخ من الاعتداء على مبنى المحافظة، ليتوجّه عند الرابعة فجراً إلى مقرّ الشيخ المغدور وحيد البلعوس في بلدة المزرعة. وتوقّف تقرير التلفزيون السوري عند هذ الحدّ، على أن يتمّ استكمال عرض كامل الاعترافات اليوم. إلا أن مصادر أمنية سورية أكدت لـ«الأخبار» أن «ما سيُبث من اعترافات أبو ترابة اليوم سيكشف علاقته بالاستخبارات الأردنية، وعن الدور الأردني في محاولات تخريب السويداء وزرع فتنة داخل المحافظة، وعن سبب تكليفه باغتيال البلعوس ورفض الشيخ البلعوس التعاون مع الأردنيين وعن مصادر تمويله، وعلاقته بجمعية جذور وما يسمى المجلس الدرزي الأعلى». واعترف أبو ترابة بتدبيره الاغتيال، بحضور مشايخ العقل وفاعليات من السويداء؛ من بينهم عبدالله الأطرش.
وعلمت «الأخبار» أن مجموعة من «مشايخ الكرامة»، وهو الاسم الذي تُعرف به جماعة البلعوس، اعتقلوا أبو ترابة حوالى الساعة 11 من صباح يوم السبت على مقربة من مضافة الشيخ المغدور في بلدة المزرعة للاشتباه في دوره بعملية التفجير. وأكّدت مصادر قيادية من «مشايخ الكرامة» في اتصال مع «الأخبار» أن أبو ترابة خضع للتحقيق أوّلاً لديهم، كما أكّد مقربون من عائلة أبو ترابة لـ«الأخبار» أنه تمّ التواصل مع «مشايخ الكرامة» عند الساعة الرابعة من بعد ظهر السبت، وسمعوا تطمينات منهم بأن أبو ترابة يتم التحقيق معه لديهم. فيما أكّدت المصادر الأمنية السورية أن «الأجهزة الأمنية اعتقلت أبو ترابة بعملية أمنية من داخل بلدة المزرعة»، ورفضت التعليق على الأنباء حول اعتقاله أولاً من قبل «مشايخ الكرامة».
وقال المصدر القيادي في «مشايخ الكرامة» لـ«الأخبار» إن «موقفنا وطني، ولسنا بحاجة إلى أحد ليمنحنا شهادات في الوطنية، ونحن ندافع عن أهلنا في المحافظة وطائفتنا كسوريين»، نافياً أن يكون قد عن صدر عنهم أي بيان، في إشارة إلى البيان الذي عممته صفحات معارضة على مواقع التواصل الاجتماعي عن طلب فرض منطقة حظر جوي فوق السويداء وفتح طريق إلى الأردن. وقال المصدر إن «مشايخ الكرامة يعتبرون أبو ترابة مشبوهاً منذ زمن، ولديه ارتباطات خارجية، ونحن لم ننته من التحقيق بعد، ولا نتهم أي جهة». وأكّد المصدر أن «كل كلام عن أي تخريب قام به مشايخ الكرامة في المؤسسات الرسمية للدولة هو عارٍ من الصحة، ونحن التزمنا الصبر وتحلينا بالهدوء لعدم الانجرار وراء الفتنة، وعندما تتوضّح الأمور سيكون لنا ردّ وموقف». وأكّد مصدر في الجيش السوري في السويداء لـ«الأخبار»، أن «قياديين من «مشايخ الكرامة» تواصلوا مع الجيش وأكّدوا وقوفهم إلى جانبنا للمرور فوق الفتنة والحفاظ على وحدة المحافظة وأمنها».
موقف «مشايخ الكرامة» الهادئ نسبياً، ينسجم مع مواقف التهدئة التي أطلقها مشايخ العقل والشيخ ركان الأطرش، وهو أبرز مرجعية دينية في السويداء، لـ«التحلي بالصبر وعدم الوقوع في الفتنة». وحرّم الأطرش في تصريح له المساس بمؤسسات الدولة أو التعدي على جنود الجيش السوري أو الأفرع الأمنية، طالباً «عدم الانجرار وراء الشائعات». وأعاد الأطرش تأكيد موقفه في اجتماع مع «مشايخ الكرامة» في منزله في ظَهر الجبل في السويداء ليل أمس، محرّماً الاعتداء على مؤسسات الدولة، فيما أكّد الشيخ يوسف جربوع في اتصال مع «الأخبار» أن «من اغتال الشيخ وحيد البلعوس يريد ضرب الاستقرار وإيقاع فتنة في الجبل والدفع نحو انفصال الجبل عن سوريا».

الشيخ ركان الأطرش
حرّم المساس بمؤسسات الدولة وبجنود الجيش السوري


ويوم أمس، شيّعت السويداء 21 شهيداً، 15 منهم داخل المدينة و6 شهداء في القرى المحيطة، على أن يشيّع البلعوس والشيخ فادي نعيم والشيخ أيهم طربيه اليوم عند الساعة التاسعة صباحاً في الملعب البلدي في السويداء. وأشارت المصادر إلى أن الشيخ ركان الأطرش طلب من المشيعين أمس رفع العلم السوري وعدم الانسياق وراء الشائعات التي تتّهم الدولة باغتيال البلعوس.
وأكد أكثر من مصدر في مدينة السويداء، من بينهم مصادر قيادية في «مشايخ الكرامة»، أن «الحياة في المدينة أمس كانت طبيعية إلى حدٍّ ما وعادت دوائر الدولة إلى العمل وفُتحت الأسواق». ويجري الحديث عن تسليم «الأمانة» في قيادة «مشايخ الكرامة» إلى الشيخ رأفت البلعوس شقيق البلعوس الذي لا يزال يخضع للعلاج في مشفى السويداء جراء إصابته خلال التفجير الأول في وجهه وعنقه، فيما تتحدّث مصادر أخرى عن احتمال تولّي الشيخ يحيى الحجّار قيادة «مشايخ الكرامة».

مشايخ لبنان يخذلون جنبلاط

وينسجم موقف المرجعيات الدينية في لبنان مع موقف المرجعيات الدينية في جبل الدروز، على الرغم من التحريض الذي يمارسه النائب وليد جنبلاط ومسؤولون في الحزب التقدمي الاشتراكي ووسائل الإعلام المقرّبة من الحزب، وشيخ العقل في لبنان نعيم حسن. وعلمت «الأخبار» أن النائب أكرم شهيّب والقيادي في الحزب الاشتراكي زياد شيّا جالا أمس على المشايخ في لبنان للتسويق بأن الأجهزة الأمنية السورية هي التي اغتالت الشيخ البلعوس، وطلبا الحصول على غطاء لإقامة موقف عزاء للبلعوس في مقام السيد عبدالله التنوخي في بلدة عبيه. وأسمَع شيّا المشايخ الذين زارهم تسجيلاً صوتياً ادعى أنه لابن الرئيس السوري بشّار الأسد، يهدّد فيه بقتل الشيخ البلعوس. وعلمت «الأخبار» أن غالبية المشايخ عبّروا لموفدي جنبلاط عن عدم ثقتهم بالرواية التي تتّهم الاستخبارات السورية باغتيال الشيخ البلعوس، وأن لا إثباتات على أن التسجيل المزعوم يعود لابن الرئيس الأسد. كما علمت «الأخبار» أن المشايخ رفضوا إقامة موقف عزاء لإطلاق مواقف سياسية، مشترطين مشاركة رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان في المراسم. وقالت مصادر أرسلان ليلاً لـ«الأخبار» إنه وافق على إقامة موقف التعزية خلال زيارة مقرّبين من الشيخ أمين الصايغ له في حال اقتصار الأمر على قراءة الفاتحة وعدم إلقاء أي كلمات سياسية بالمناسبة، حتى من قبل الشيخ نعيم حسن، بسبب البيان «المشبوه والتحريضي والمتحيّز والمتسرع الذي أصدره المجلس المذهبي الدرزي التابع لحسن»، كما أكّد أرسلان في اتصال مع «الأخبار». وأجرى أرسلان اتصالاً بالأسد عزّاه فيه بالشهداء الذين سقطوا في السويداء، كما أجرى سلسلة اتصالات بمشايخ العقل في سوريا والشيخ ركان الأطرش. بدوره، غرّد جنبلاط عبر حسابه على موقع «تويتر» قائلاً إن «حبل الكذب قصير»، مشبهاً أبو ترابة «بأبو عدس لبنان»، على غرار ما فعل الإعلامي في «الجزيرة» فيصل القاسم.




من «بويا» السيارات إلى «الائتلاف»

قبل نحو شهر، بدأ الحديث عن عودة وافد أبو ترابة (الصورة) إلى محافظة السويداء، وهو الذي اختفى بعد مقتل الضابط المنشق خلدون زين الدين في اشتباكات مع الاستخبارات الجوية السورية أواخر عام 2012 في منطقة ظهر الجبل. وبقي أبو ترابة متوارياً عن الأنظار في المحافظة، إلى أن أوقفه «مشايخ الكرامة» أمس. قبل الأزمة، عمل أبو ترابة في «حدادة وبويا» السيارات، وانتقل منذ بداية الأزمة السورية إلى العمل في صفوف المعارضة المسلحة، وكان مرشحاً لتمثيل السويداء في الائتلاف الوطني السوري، وهو مقرّب من «تنظيم القاعدة في بلاد الشام ــ جبهة النصرة». شارك أبو ترابة في عدّة اجتماعات رعتها «الموك» في غازي عنتاب التركية وفي مدينة أنطاكيا للتخطيط للعمل في محافظة السويداء وتشكيل خلايا أمنية لضرب الجيش والدفع نحو إنشاء منطقة عازلة في الجنوب السوري. وتم تكليفه من قبل الاستخبارات الأردنية بتشكيل «بيارق» في قرى جبل الدروز لتسلّم حكم السويداء بعد طرد أجهزة الدولة والجيش منها. وتنقل أبو ترابة في العامين الأخيرين بين درعا ولبنان وتركيا وعمّان، وتربطه علاقة مباشرة بقائد المجلس العسكري في السويداء العقيد المنشق مروان الحمد، وعلاقة غير مباشرة بوكيل داخلية عاليه في الحزب التقدمي الاشتراكي خضر الغضبان، المكلّف من قبل النائب وليد جنبلاط إلى جانب الوزير وائل أبو فاعور، بمتابعة ملف المعارضة السورية.