لم يعد العالم خائفاً، فهناك من سيخلف النجوم المعتزلين دولياً مع نهاية كأس أوروبا لكرة القدم، وأيضاً اولئك الذين سبق لهم أن تركوا الساحة الأوروبية متجهين إلى بلدانٍ بعيدة عنها لخوض آخر مغامراتهم الكروية.فعلاً، انتاب عالمَ الكرة قلقٌ منذ سنواتٍ عدة، فتحسّر على رحيل النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي إلى الولايات المتحدة الأميركية، وطبعاً مع خروج غريمه الأزلي البرتغالي كريستيانو رونالدو إلى السعودية.
هنا، حكى كثيرون عن غياب المتعة وافتقاد العالم إلى المواهب التي يمكن أن تطلق صراعاً على الجوائز الفردية، وعن ليالٍ مملّة لن تعلو خلالها الآهات إشادةً بمواهب مميّزة.
لكنّ نهائيات كأس أوروبا المقامة حالياً في ألمانيا أثبتت العكس، إذ أكدت أن كرة القدم في أيدٍ أمينة بعدما قدّمت مجموعة كبيرة من المواهب الشابة نفسها بشكلٍ قوي لا بل لعبت دوراً رئيسياً في قيادة منتخبات بلادها إلى انتصاراتٍ لافتة.

سحرٌ ألماني وظاهرة إسبانية
هذه المسألة ظهرت منذ المباراة الافتتاحية التي سحقت فيها ألمانيا المضيفة أسكتلندا 5-1، فكان اثنان من نجوم المباراة عند «المانشافت» الثنائي فلوريان فيرتز وجمال موسيالا.
الشابان اللذان يبلغ كلٌّ منهما 21 عاماً لعبا دوراً مؤثّراً في الفوز الكبير للألمان، إذ إن فيرتز كان صاحب الهدف الذي فتح الباب لتحقيق الانتصار، بينما نثر موسيالا سحره في كل أرجاء الملعب بمهاراته المعروفة، والتي توّجها بهدفٍ رائع.
في اليوم التالي لعبت إسبانيا مع كرواتيا وقدّمت استعراضاً كبيراً منحها الفوز بثلاثية نظيفة، وكان أحد قادة هذا الاستعراض لاعب برشلونة لامين يامال الذي أصبح بعمر 16 عاماً و338 يوماً أصغر لاعب يخوض مباراة في بطولة كبرى، والأصغر الذي يلعب في كأس أوروبا، وأيضاً أصغر لاعب يقدّم تمريرة حاسمة في بطولةٍ كبرى وفي كأس أوروبا.
لعبت المواهب الشابة دوراً رئيسياً في انتصارات بلدانها في كأس أوروبا


يامال بالتأكيد هو مشروع نجمٍ كبير، إذ في سنّه الصغيرة يلعب أساسياً في أحد أفضل أندية العالم وأحد أفضل المنتخبات. هو ظاهرة بالفعل، إذ لا يمكن تخيّل عمره مقارنةً بما يقدّمه على أرض الملعب.
وضمن المجموعة نفسها، دخلت إيطاليا إلى مباراتها الأولى أمام ألبانيا وهي لا تملك أسماءً كبيرة، إذ يمكن القول إن النجم الأكبر في صفوف «الآتزوري» هو المدرب لوتشانو سباليتي. لكن مع نهاية المباراة عاد الحديث عن عظمة المدافعين الإيطاليين، وعادت أسماء فرانكو باريزي، اليساندرو نيستا وباولو مالديني لتحضر في الأحاديث، والسبب هو الأداء الرفيع لقلب دفاع بولونيا، ريكاردو كالافيوري (22 عاماً)، الذي أعاد التذكير بكل هؤلاء وترك انطباعاً بأن بلاد الطليان ستقدّم مدافعاً كبيراً آخر.

مستقبل الريال بأمان
دور كالافيوري في فوز إيطاليا كان حاضراً بالفعل، لكن بالتأكيد ليس بقدر الدور الذي لعبه النجم الإنكليزي جود بيلينغهام في فوز بلاده الصعب على صربيا بعدما سجّل الهدف الوحيد في المباراة.
بيلينغهام الذي قدّم موسماً أوّلَ خرافياً مع ريال مدريد الإسباني هو الخلاص لسنوات الشحّ التي عاشها الإنكليز، إذ إنه ليس مجرد لاعب وسط ميدان بل هو هدّاف ومدافع وقائد وملهم. كل هذا وهو لا يزال في الـ 20 من العمر، ما يجعل الكلام طبيعياً عن إمكانية حصوله على أكبر الجوائز الفردية في وقتٍ قريب جداً، إذ يكفي أنه أصبح أول لاعب أوروبي يشارك في 3 دورات ضمن البطولات الكبرى قبل بلوغ سن الـ 21.

بدا لامين يامال أكبر من سنّه في كل مباراةٍ كبيرة خاضها حتى اليوم (أ ف ب)

كما أنه أصبح ثاني لاعب يسجل في بطولتي كأس العالم وكأس أوروبا قبل بلوغه هذه السن بعد مواطنه مايكل أوين، إضافةً إلى أنه بعمر 20 عاماً و353 يوماً صار أصغر لاعب يسجل هدفاً حاسماً للفوز في تاريخ كأس أوروبا.
ويمكن القول إن مستقبل ريال مدريد في أمان، وهو الذي جمع أبرز المواهب الشابة في العالم، انطلاقاً من بيلينغهام، ومروراً بالهدّاف البرازيلي أندريك، وصولاً إلى التركي أردا غولير.
الأخير سحر المتابعين بهدفه الرائع في مرمى جورجيا بتسديدة من خارج منطقة الجزاء بقدمه اليسرى التي حُكي عنها كثيراً قبل وصوله إلى النادي الملكي. هناك أصيب بدايةً، ولم يأخذ فرصته الكبيرة لاحقاً، لكنه في مشاركاته القليلة أثبت علوّ كعبه، واقتحم الآن كأس أوروبا ليؤكد أنه نجم عالمي.
ببساطة، بعمر 19 عاماً و114 يوماً أصبح أردا أصغر لاعب يسجل لمنتخب تركيا في إحدى البطولات الكبرى، والأصغر الذي يسجل في أول مباراة يخوضها في كأس أوروبا.
هم حقاً صغار لكنهم كبار في ما يُقدِمون عليه على أرضية الميدان، وعلى ما يبدو لا يزال الكثير بانتظارنا في البطولة الحالية وفي المستقبل الذي يبدو زاهراً أمام هؤلاء.