كالعادة ستحظى كأس أوروبا باهتمامٍ واسع، إذ يراها كثيرون أفضل من كأس العالم على صعيد المستوى الفني استناداً إلى إمكانات المنتخبات الـ24 المشاركة، بحيث لا يخفى بأن المفاجآت يمكن أن تكون حاضرة بقوة، فأي منتخبٍ مشارك لديه لاعبون ينشطون على أعلى مستوى في بطولات القارة الأوروبية.لكن في نسخة 2024 التي تنطلق غداً الجمعة، هناك صعوبة لترشيح منتخبٍ واحدٍ للفوز باللقب أو حسم هذه المسألة لمصلحة طرفٍ معيّن، والدليل ما حصل في النسخة السابقة عندما رفعت إيطاليا الكأس من خارج التوقعات، وهي التي غابت عن آخر نسختين من نهائيات كأس العالم (2018 و2022).
الدنمارك فعلتها عام 1999، واليونان أيضاً بمفاجأة أخرى تُوّجت في عام 2004، وهو ما يؤكد أن "اليورو" لا يعترف بالتوقعات، ولو أن الترشيحات قد تذهب باتجاه المنطق الذي يضع منتخباتٍ دون أخرى في الصفّ الأول مقابل منصة التتويج.

(أ ف ب )

البطل ضعيف ووصيفه أقوى
من هنا، لا تعطي المؤشرات الكثير من الحظوظ للمنتخب الإيطالي، وذلك استناداً إلى ما قدّمه في التصفيات المؤهلة إلى هذه البطولة حيث تأهل من المركز الثاني ضمن المجموعة الثالثة خلف إنكلترا، ولم يتمكن من الفوز سوى بأربع مبارياتٍ من أصل ثمانٍ، فخسر اثنتين وتعادل في مثلهما.
الأكيد أن "الآتزوري" الحالي يختلف عن ذاك الذي تُوّج بلقب النسخة الماضية، فلا "سوبر ستار" في هذا المنتخب الذي يثير الكثير من الشكوك في بلاد "الكالتشو".
وبالحديث عن إنكلترا التي خسرت النهائي قبل 3 أعوام، يمكن القول بأنها أصبحت أقوى، وتشكيلتها أصبحت أنضج، ونجومها أصبحوا أقوى، والدليل هو هدّاف ريال مدريد الإسباني جود بيلينغهام الذي سطع نجمه هذا الموسم أكثر من أي وقتٍ مضى. فضلاً عن الماكينة التهديفية التي لا ترحم، هدّاف بايرن ميونيخ الألماني هاري كاين الذي حجز الحذاء الذهبي لأفضل هدّافٍ في أوروبا هذا الموسم لمصلحته.
هذان الاسمان هما الأشهر طبعاً، لكن المواهب الوفيرة في التشكيلة الإنكليزية مثل نجم آرسنال بوكايو ساكا، ونجم مانشستر سيتي فيل فودن، يعزّزان من حظوظ المنتخب الإنكليزي حتى بات شخصٌ من أصل ثلاثة في بلاده يرشحونه للفوز باللقب، ولو أن نقطة ضعفه تبقى برأي الكثير من المراقبين هي في مدربه غاريث ساوثغايت.
لا يمكن الجزم بأن أحد المنتخبات المرشّحة للقب ستحتفل به



الغني وصاحب الضيافة
وليس بعيداً من إنكلترا، تذهب الأنظار إلى فرنسا كما هو الحال في كل بطولةٍ عالمية، فمنتخب "الديوك" الذي بلغ نهائي مونديال قطر 2022 يبدو وكأنه نبع لا ينضب من اللاعبين العالميين، وعلى رأسهم النجم كيليان مبابي.
الواقع أن فرنسا تملك أكثر من منتخبٍ، ولو أن مدربها ديدييه ديشان لا يزال مصرّاً على التمسّك بالعديد من عناصر الحرس القديم بسبب ثقته بهم، وهو أمر طبيعي بعدما بلغ بوجود غالبيتهم نهائيين متتاليين في كأس العالم (فاز باللقب عام 2018)، وقبلها مع بعضهم نهائياً في "يورو 2016" وخسره على أرضه أمام المنتخب البرتغالي.
مع مبابي وعثمان ديمبيلي وأنطوان غريزمان وزملائهم، تملك فرنسا منتخباً مليئاً بالمواهب المتفجّرة هذا الموسم بحيث وصلت إلى قمّة مستوياتها، ومجموعة لم تعد تشعر بالضغوط عند خوضها المحطات الحاسمة والقوية.
لكن تلك المباراة الوديّة أمام ألمانيا (2 - 0) في آذار الماضي، أثارت بعض القلق عند الجمهور الفرنسي، ورفعت في المقابل الآمال عند نظيره الألماني الذي عانى لسنوات من عدم قدرته على تخطي الكبار، لكنه فجأة أسقط الفرنسيين ومن بعدهم أسقط أيضاً الهولنديين، ليبدأ الكلام الداخلي عن إمكانية إحراز لقبٍ قاري رابع وأوّل منذ عام 1996.
كل شيء معقول بعد وصول المدرب يوليان ناغلسمان بأفكاره الشابة، ومع عودة عبقري خط الوسط طوني كروس، وبعد موسمٍ بلغت فيه الأندية الألمانية مراحل متقدّمة في مسابقة دوري أبطال أوروبا التي كادت تشهد نهائياً ألمانياً صرفاً قبل أن يتأهل إليه بوروسيا دورتموند فقط، وفي نهائي مسابقة "يوروبا ليغ" الذي بلغه باير ليفركوزن بعد موسمٍ خرافي حصل في ختامه على ثنائية الدوري والكأس المحليتيْن.
ومع ما قام به هذا الفريق ووقوف شتوتغارت خلفه وصيفاً في "البوندسليغا"، اختار ناغلسمان فريقاً من جهاتٍ مختلفة، إذ لم يعد الأمر ينحصر بأولئك الذين يدافعون عن الأندية الكبرى، ما يعني أن الجوع المعزّز بدعم الجمهور قد يفرز لاعبين أبطالاً على أرض الملعب، فنرى "المانشافت" فائزاً باللقب بعد خيباتٍ مونديالية وأوروبية متتالية.

(أ ف ب )

منتخب المواهب وجاره التائه
وبين تأرجح أسهم هولندا وكرواتيا وبلجيكا صعوداً وهبوطاً، لا يمكن تجاهل قدرة البرتغال على اختراق دائرة المرشحين وفرض نفسها كبطلة مجدداً.
هذا المنتخب يميّزه بلا شك العمق الرهيب الموجود في التشكيلة بحيث تبدو المنافسة مفتوحة على المراكز بين مواهب تدافع عن ألوان أقوى أندية العالم، ما يجعل المدرب الإسباني روبرتو مارتينيز من المحظوظين، وخصوصاً أن معظم رجاله اعتادوا حصد الألقاب أينما حلّوا ويملكون الخبرة اللازمة للتتويج مجدداً.
ويكفي ذكر أسماء النجم الكبير كريستيانو رونالدو، برناردو سيلفا، روبن دياش، برونو فرنانديش، جواو كانسيلو، جواو فيليكس، ورافايل لياو، لنتأكد من جودة نوعية ما تمتلكه "برازيل أوروبا".
أما الجارة إسبانيا التي كانت دائماً مرشحة قوية خلال أعوامٍ خلت للفوز بأي بطولةٍ تشارك فيها، فهي تبدو وكأنها تائهة بين التمسّك بعناصرها المعروفين على ساحة المنتخبات، وإحداث تغييرٍ ثوري بإشراك الشبان في التشكيلة الأساسية أمثال ثنائي برشلونة باو كوبارسي ولامين يامال.
كل شيء ممكن بالنسبة إلى منتخب "لا فوريا روخا"، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى كأس أوروبا التي قد تقدّم إلينا مفاجأة أخرى من خارج التوقعات وتسقط ببساطة كل هذه الترشيحات المنطقية.